لبنان بلد طرف في الاتفاقيات العالمية الكيميائية الثلاثة، ستوكهولم بشأن الملوثات العضوية الثابتة، وبازل بشأن النفايات الخطرة، وروتردام بشأن التجارة الدولية بالكيماويات. نعم، من المهم أن يكون لبنان طرفا في الاتفاقيات الدولية، ليؤكد  حضوره ومشاركته الدولية، من جهة، ومن جهة أخرى لكي يستفيد من الخبرات العالمية في إدارة الكيماويات، وتقييم مخاطرها على البيئة والصحة البشرية، ولرصد مستوياتها في مختلف أوساط البيئة، ولوضع السياسات والتشريعات المناسبة والضرورية للتحكم الكامل بمخاطر هذه المواد عالية السمية على البيئة والصحة البشرية.

وبمناسبة انعقاد المؤتمرات المشتركة للاتفاقيات الثلاثة، ومؤتمر كل اتفاقية على حدة، المستمرة للأسبوع الثاني على التوالي، في جنيف – سويسرا، نرى من المفيد تسليط الضوء، ولو قليلا، على مدى فعالية مشاركة لبنان في تلك الاتفاقيات، ومدى الاستفادة منها، وتطبيق البرامج، التي تندرج في سياقها. وربما الأهم من كل ذلك، مدى تطوير قدرات لبنان على التحكم الجاد والفعال بالمخاطر، المترتبة عن وجود الكيماويات السامة والخطرة، موضوع اهتمام تلك الاتفاقيات، في الدورة الاقتصادية للبنان، انتاجا واستيرادا واستهلاكا، وإدارة للنفايات، مع ما يرافق ذلك من تلوث للأوساط البيئية، من هواء ومياه وتربة وسلسلة غذائية، ورصد مدى تراكمها في الأنسجة البشرية، من دم ودهون وحليب بشري. وذلك طبعا للتمكن من تقدير مخاطرها على الصحة العامة، وتطوير القدرات على تقييم هذه المخاطر والتحكم بها، وتفادي آثارها الخطيرة على البيئة وصحة المواطنين والأجيال القادمة.

وإذا حصرنا ملاحظاتنا في ما تضمنه التقريران الصادران عن اتفاقية ستوكهولم تحت شعارها المعروف “نحمي الصحة البشرية والبيئة من الملوثات العضوية الثابتة”، وفي إطار “خطة الرصد العالمية للملوثات العضوية الثابتة” المنفذة تطبيقا للمادة 16، المتعلقة بتقييم فعالية الاتفاقية، تقرير الرصد الأول لمنطقة آسيا والمحيط الهادي،  كانون الأول 2008، وتقرير الرصد الثاني لمنطقة آسيا والمحيط الهادي، آذار 2015.

نشير بداية، إلى أن لبنان يقع في المجموعة الإقليمية لآسيا والمحيط الهادي، وينتمي للمجموعة ما دون الإقليمية لغرب آسيا والشرق الأوسط، التي تضم تركيا، إضافة للبلدان العربية الآسيوية، وينتمي طبعا للمجموعة غير المعترف بها في تقسيم الأمم المتحدة للأقاليم، أي المجموعة العربية وجامعة الدول العربية. وتشرف على هذا البرنامج لجنة مكونة من ممثلين عن المجموعات ما دون الإقليمية، حيث تتولى قطر تمثيل مجموعة الدول العربية الآسيوية وتركيا، في حين تمثل الهند مجموعة جنوب وسط آسيا، والصين مجموعة وسط آسيا والهند الصينية،  واليابان مجموعة جنوب شرق آسيا، وفيجي مجموعة الجزر الصغيرة.

يتضمن هذان التقريران نتائج دراسات وأعمال رصد مختلف مواد الملوثات العضوية الثابتة، اللائحة الأساسية من المواد الـ 12، وفي التقرير الثاني أضيف إليها بعض المواد التسعة، التي أدخلت إلى لائحة الملوثات العضوية الثابتة في العام 2009. وتشمل هذه النتائج قياسات للملوثات العضوية الثابتة، كمواد إفرادية، في الهواء الجوي، والمياه، وحليب الأم أو دم البشر، وفي أوساط أخرى، كالترسبات وغيرها.

فبالنسبة لقياس الملوثات العضوية الثابتة في الهواء، هناك عدد قليل جدا من النتائج المنجزة في دولة قطر، أما عن بلدان منطقة غرب آسيا، أي المنطقة العربية، ولبنان ضمنا، فهناك نقص حاد بالمعلومات حول معطيات رصدية في الهواء الجوي صالحة لتقييم فعال. أما فيما يتعلق بقياس POPs في حليب الأم / دم البشر، فهناك غياب كامل للمعلومات في كل المنطقة العربية، بما فيها لبنان. وكذلك الأمر لقياسها في المياه والأوساط الأخرى.

وتتكرر الصورة أيضا في التقرير الثاني لشهر آذار، عام 2015، إذ تغيب معطيات الرصد غيابا كليا، ويشير التقرير حرفيا “إلى أن ليس هناك معطيات متوفرة ومتاحة عن رصد الملوثات العضوية الثابتة في الهواء الجوي في كل دول المجموعة ما دون الإقليمية”.

وتبدو هذه المجموعة ما دون الإقليمية، الوحيدة بين كل المجموعات الأخرى، التي تجمع دولها على الغياب الكامل عن قياس اي مؤشر، في أي وسط، لأي مادة من الملوثات العضوية الثابتة، في حين نرى دولا صغيرة وجزرا صغيرة أو دولا نامية أقل تطورا من كثير من دولنا في المنطقة، تشارك بفعالية في أعمال الرصد، وتنتج قياسات صالحة للتعليل وفعالية التقييم.

لا يشكل لبنان استثناء بشيء على الإطلاق، فهنا أيضا تغيب القياسات غيابا كليا، وتغيب حتى الخطط الوطنية الفعلية، وتحل محلها تقارير نظرية لا طائل تحتها، ولا تحتوي على أي معلومة موثوقة، أو مبنية على تحاليل وأعمال رصد في أوساط البيئة المختلفة، والأوساط الحيوية للبشر، التي تتيح المجال لتقييم واقعي لمؤشرات الخطورة على البيئة وعلى الصحة العامة، حاضرا ومستقبلا.

أمام هذا الواقع المرير فعلا، نلاحظ أن لبنان الرسمي يغيب عن المشاركة في العديد من ورش العمل، والندوات التدريبية، التي تنظمها اتفاقية ستوكهولم وغيرها من الاتفاقيات، وتحت إشراف برنامج الأمم المتحدة للبيئة. ولا ندري فعلا ما هي المعوقات أمام هذه المشاركة المفترضة، ولماذا نفوت الفرص الواحدة تلو الأخرى، على إحداث تطور ما في تعزيز القدرات على السير قدما، لتلبية برامج وخطط الاتفاقية على المستوى الوطني.

هناك حاجة ماسة لعمل كبير في المجالات، التي تعتبر عناصر أساسية لتطوير وبناء القدرات، للتمكن من تلبية حاجات تطوير تحليل الملوثات العضوية الثابتة، وتنمية القدرات البشرية، والقيام بفحوص معيارية بين المختبرات، وتقوية القدرات على أخذ العينات، وبناء وتعزيز البنية التحتية للتحليل، من مختبرات وأجهزة وتجهيزات، ومحاليل ومواد ضرورية، للقيام بأعمال الرصد والتحليل. وكذلك تقوية المختبرات الموجودة لتحليل البيئة، والعمل على الاستفادة الفعالة من المساعدات المالية المتاحة، لإنشاء مختبرات قادرة على الاستدامة بقواها الذاتية، ولمدى طويل. هناك حاجة ملحة لوضع خطة تشغيل فعال للمختبرات الموجودة، والمقامة بالأساس لتلبية خدمات وحاجات منطقة بكاملها، وليس بلد واحد بذاته، وهنا نقصد مختبرات المركز الإقليمي لاتفاقية ستوكهولم في الكويت، الذي ينبغي أن يخدم المنطقة العربية في غرب آسيا كلها، وكذلك المركز الإقليمي لاتفاقية بازل في القاهرة، الذي ينبغي أن يخدم البلدان العربية كافة، في غرب آسيا وشمال إفريقيا. ولكي يتمكن هذان المركزان أن يلعبا دورهما كاملا، لا بد من إعادة النظر في إدارتهما، وبرمجة خططهما، بما يعزز مشاركة الدول العربية الأخرى بخبراتها وخبرائها وإمكاناتها وقدراتها بشكل تآزري، يراكم المعرفة، ويستفيد منها لصالح كل بلدان المنطقة مجتمعة، ولكل بلد على حدة.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This