أنور عقل ضو |
يواجه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند تحديات داخلية ستكون لها نتائج حاسمة على مسار الاستحقاق الانتخابي المقبل، فآخر استطلاعات الرأي بيّنت أن 81 بالمئة من الفرنسيين عبّروا عن رغبتهم في عدم ترشح هولاند لولاية رئاسية ثانية، ما يؤكد تراجع شعبيته المتدهورة أصلاً، ويبدو أن خصومه السياسيين عرفوا كيف يستغلون العثرات الاقتصادية خصوصا وأن فرنسا محاصرة بالديون ومكبلة بأزماتها الاجتماعية، وغير قادرة على إجراء إصلاحات جذرية في بنية اقتصادها، مع تجاوز الدين العام للمرة الأولى عتبة الألفي مليار يورو، وما يؤكد عمق الأزمة الاقتصادية ألا تجد فرنسا سبيلا لتسديد جزء من الدين القومي الهائل، إلا من خلال تبني البعض فكرة بيع أهم رمز ثقافي تملكه، وهو لوحة “الموناليزا” التي تعتبر من “كنوزها القومية“، وفي ذلك دلالة على حجم الأزمة المالية، دون إسقاط ما تواجه من تبعات اقتصادية ناجمة أيضا عن الركود في منطقة اليورو عموما.
وسط المشهد الاقتصادي وتداعياته السياسية، نجد الرئيس الفرنسي وكأنه يبحث عن تحقيق “انتصار” يعوض بعضا من خسارته الداخلية، من خلال مؤتمر الأطراف الحادي والعشرين “COP21” المزمع انعقاده في العاصمة الفرنسية باريس خلال شهر كانون الأول المقبل، وهذا ما بدا جلياً في منتدى بيترسبرغ للمناخ الذي حضره وزراء خارجية خمس وثلاثين دولة في برلين، الذي حدد فيه بعض المفاصل الأساسية التي قد تؤمن فرص نجاح جزئي لمؤتمر باريس، حين أكد أن العالم بحاجة إلى ثورة في مجال الأعمال التجارية، مبيناً الحاجة إلى ضرورة استحداث تكنولوجيا جديدة نظيفة بديلًا من الكربون وإيجاد الطرق المناسبة لتكون أكثر كفاءة في استخدام الطاقة.
هذا على الرغم من أن هولاند يدرك حجم التحديات الماثلة أمام الدول في مؤتمر باريس، إلا أنه يبني بعضا من آمال في إمكانية التوصل إلى توافق بين زعماء الدول الذين يجمعون على الحاجة الملحة للحد من ظاهرة تغير المناخ، الأمر الذي يعزز فرص التوصل الى اتفاق مناخ ترعاه الامم المتحدة في كانون الأول المقبل.
وإذ يراهن هولاند على دور الشركات والمؤسسات الذي سيكون – برأيه – مفتاح النجاح لأي اتفاقات تتوصل إليها دول العالم بشأن الانبعاثات، يبدو في الوقت عينه واقعيا وغير محكوم بأوهام حين دعا إلى ما وصفه بــ “معجزة” تتمثل بضرورة توافق الآراء الخاصة بـ 96 دولة للتوصل إلى تسوية بشأن المستقبل للحد من الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري والتي سيكون لها تأثير على كل البلدان المتقدمة والنامية.
صحيح أن الرئيس هولاند أظهر في الآونة الأخيرة أنه رجل قادر على استغلال العوامل الخارجية لتلميع صورته أمام الرأي العام الفرنسي سواء تعلق الأمر بالمسرح الإفريقي أو العراقي واتخاذ المبادرات العسكرية الضرورية واستقطاب الأضواء، بحيث تحولت باريس في عهده إلى عاصمة اللقاءات الدولية على مستوى محاربة الإرهاب وضمان استقرار العالم وهو معطى يعول عليه هولاند إلى جانب قضايا البيئة التي باتت عنصرا مهما وأساسيا في رسم سياسات الدول ومستقبل العالم.
وبدا هولاند في منتدى بيترسبرغ للمناخ وكأنه يعتمد “دبلوماسية البيئة” للتصدي لأزماته الداخلية، وهو بدأ من الآن يلعب دورا استثنائيا لتأمين فرص نجاح مؤتمر باريس الذي سيكون عاملا مساعداً يتلاقى مع تحسن ملحوظ في الاقتصاد الفرنسي في الآونة الأخيرة، ما قد يرفع من شعبيته والعودة عن قرار عدم الترشح لولاية ثانية في العام 2017.
يبقى على هولاند أن يطوق (مع حلفائه الأوروبيين) وفي حدود معينة شركات النفط ليكون المؤتمر نقطة تحول لاتجاه العالم نحو الطاقة المتجددة، وهو أعاد التذكير في حركته الناشطة في مجال “دبلوماسية البيئة” بما تعتمده الصين في مجال “دبلوماسية الباندا” حين تهدي دولا لسنوات محددة دبب الباندا في محاولة لتحسين علاقاتها معها.
فهل تنجح “دبلوماسية” هولاند في فك عزلته الداخلية؟