أنور عقل ضو |

ليس ثمة ما يوحي إلى الآن باحتمال أن يحقق “مؤتمر باريس للمناخ” المزمع انعقاده في العاصمة الفرنسية في كانون الأول 2015 نجاحا في التوصل إلى اتفاق دولي للحد من ارتفاع درجة حرارة الارض، فبين الواقع والمرتجى مسافة تُبقي هواجس الفشل مشروعة بالإستناد إلى الكثير من المعطيات الراهنة، طالما أن من يرسم سياسات الدول ويحرك اقتصادها (كارتيلات النفط والمال والصناعات الثقيلة والشركات متعددة الجنسيات) لن يكون حاضرا لتبني أي اتفاق دولي يفضي إلى تحقيق إصلاحات مُلزمة في مجال الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، فضلا عن أن التجارب السابقة – منذ قمة الأرض في ريو دي جانيرو (1992) – جاءت مواربة للواقع ولتحديات الراهن والمستقبل.

ولعل ما أكد عليه الطبيب النفسي شارل كورنريخ في كتابه الصادر مؤخرا “تطور المتع البشرية: رغبات وقيود” من أن “التقدم التكنولوجي قد يساهم في الإسراع في استنزاف موارد الارض المحدودة أصلا بدلا من أن يساهم في استدامتها طالما هو بيد قوى السوق المتنافسة”، يظهر بشكل جلي أن المشكلة لا تقتصر على مدى استخدامنا للوقود الأحفوري، وإنما تتعدى ذلك إلى أنماط الانتاج الخاضعة لاقتصاد السوق والرأسمال المتفلت من أية قيود، فعلى سبيل المثال لا الحصر، يستهلك إنتاج سروال الجينز الواحد 12 ألف ليتر من الماء (من ضمنها الماء المستخدم في ري القطن وفي إنتاج النسيج)، “كما تستخدم كمية تقدر بـ 500 غرام من المواد الكيماوية في صناعة السروال، الذي لا يزيد وزنه بأي حال عن نصف كيلوغرام، فضلا عن الطاقة الكبيرة المستهلكة في الإنتاج، وكمية الغازات الضارة التي تنطلق إلى الجو”، بحسب صحيفة “دي فيلت” الألمانية.

حتى أن الدعوات التي بدأت تتوالى لإنتاج “الجينز الأخضر” تأتي في سياق أغراض تسويقية، بمعنى ركوب موجة البيئة والعلامات التجارية “الخضراء” التي تفتقت عنها عقول القيمين على اقتصاد السوق ليس حماية للبيئة وإنما خدمة لمصالحهم، وهنا تظهر الهوة بين الحاجة والرفاهية، بين الانتاج المعقلن والانتاج المتفلت من قيم إنسانية، والمشكلة تتعدى صناعة الجينز إلى صناعات أخرى وإلى نمط حياة فرضته معايير اقتصاد السوق في مداه اللاأخلاقي.

وفي متابعة لما يمكن أن يتصدر جدول أعمل القمة الباريسية، نجد غيابا أو تغييبا لمفاهيم الاستدامة في مجالات الحياة كافة، وكأن المشكلة تقتصر على قطع أشجار الغابات المطيرة والصيد الجائر واستخدام الفحم والنفط فحسب، وبالتأكيد لن يتطرق المؤتمرون إلى أن المشكلة هي نتيجة لنظم الاستهلاك التي فرضت على الانسان الحديث وما ينجم عنها من تلوث واستنفاد لموارد الأرض.

من هنا، فإن أي محاولة لتجاوز الفشل الذي رافق مؤتمر 2009 بشأن تغير المناخ في كوبنهاغن، لن يكتب لها النجاح، بمعنى أن إمكانية التوصل الى اتفاق نهائي للحد من الانبعاثات دونه عقبات، خصوصا أن مؤتمر باريس لن يكون منصة لتحقيق التوافق بين 196 طرفا يمثلون دولا ومنظمات عالمية، من هنا، نجد أن ثمة مصطلحا يتردد في أروقة المتابعين للقمة المرتقبة، عبر عنه صراحة وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس قبل يومين بـ “متلازمة كوبنهاغن”، وهو بهذا المصطلح لخص الواقع وكأنه “حالة مرضية” هي نتاج الخوف من فشل مؤتمر كوبنهاغن، المتمثل في الوصول إلى “اتفاق غير ملزم”!

صحيح أن ثمة جهوداً تبذل لتذليل العقبات، وأن اجتماعات تحضيرية ستسبق مؤتمر باريس، ولا سيما في مدينة بون الألمانية، لكن ذلك لن يتعدى تخفيف الاحتقان والمشاحنات المتوقعة في باريس، وهي لن تفضي إلى اتفاق إطاري ملزم، وأكثر ما سيتوصل إليه المؤتمرون – كما حصل في مؤتمرات المناخ السابقة – هو تزيين الواقع من أجل كسب المزيد من الوقت، لا سيما وأن الحديث الآن يتركز على خطط تهدف للحد من الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري عالميا لما بعد 2020.

لا نستبق نتائج المؤتمر، لكن يبدو من الآن أن “متلازمة كوبنهاغن” ستخيم فوق باريس طيلة أيام المؤتمر.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This