تشهد الزراعة العضوية نمواً ملحوظاً في لبنان، وبات بالامكان الحصول على المنتجات المصنفة عضوياً الموجودة داخل المحال والسوبر ماركت، لكن عدم مصادقة المجلس النيابي على مشروع قانون تنظيم الانتاج العضوي، واستبعاد وزارة الصحة لهذا القطاع الغذائي من حملة سلامة الغذاء التي اطلقتها، يضع علامات استفهام حول جودة هذه المنتجات ومدى مطابقتها للمواصفات العضوية، خصوصاً المنتجات التي خفضت أسعارها عن باقي المنافسين رغم أن الاكلاف لا تزال مرتفعة فيما لو قرر المزارع الالتزام الكامل بالمواصفات. كما يلاحظ غياب كامل لوزارتي الزراعة والاقتصاد عن القيام بدورهما الرقابي، للتأكد من حصول المستهلكين على منتجات طازجة وذات جودة في نقاط البيع، وخلوها من المواد الكيميائية الاصطناعية والمواد المعدلة جينياً وترسبات مياه الصرف الصحي و”الاشعاع المؤين” أو اي مركب من هذه المواد. ورغم اصدار المؤسسة الوطنية للمقايس والمواصفات، مواصفة إلزامية معنية بالانتاج العضوي في العام 2003 تحت الرقم NL724، إلا أن عمليات الرقابة للتأكد من تطبيق هذه المواصفات لا تزال دون المستوى المطلوب. كما ينص مشروع القانون المتعلق بتنظيم الانتاج العضوي والذي أحالته الحكومة الى مجلس النواب في آب (أغسطس) العام 2012 على إنشاء جهاز للرقابة واصدار الشهادات، يكون مسؤولاً عن التحقق من أن المنتج المباع والملصق على عبوته بيانات تفيد انه انتج “عضوياً”، قد تم تصنيعه وتجهيزه وتداوله بما يتوافق مع القانون. ويعطى هذا الجهاز بعد ان تعترف به السلطة المعنية بالاعتماد (المجلس اللبناني للاعتماد) صفة رسمية عند تسجيله لدى وزارة الزراعة. ويفترض ان تخضع المنتجات الزراعية العضوية الطازجة، والمصنعة من النباتات، لمراقبة وزارة الزراعة، وفق القانون، وذلك منذ سريان نظم تنظيم انتاج، وبيع المنتجات الزراعية العضوية المنتجة من النباتات، والنظم المتعلقة بالمنتجات العضوية المنتجة من الحيوان. ويفترض على المستهلك التحقق من وجود العلامة الموحدة الصادرة عن وزارة الزراعة التي تؤكد بأن هذه المنتجات عضوية موسومة على المنتجات العضوية، وذلك لكي يعرف بالتأكيد بأن المنتج الذي يشتريه تمت زراعته وانتاجه حقا حسب المعيار العضوي، وخضع فعلاً للمراقبة من قبل إحدى هيئات المصادقة التي خولتها وزارة الزراعة لذلك. في العام 2004 قرر معهد المتوسط للمصادقة الدخول الى السوق اللبناني وتشجيع المزارع على اعتماد النهج العضوي في الزراعة، ونجحت التجربة مع اكثر من 40 مزرعة بينها مزرعة كبيرة في منطقة البترون حصلت على اعتماد المؤسسة المتوسطية، لكن ذلك ارغمها على استيراد البذور من السوق الاوروبية والاميركية للتأكد من خلوها من البذور المعدلة جينياً. وتعد حالياً شركتي Biomass و Bioland من اكبر الشركات المنتجة للمنتجات العضوية في لبنان وترتبط بهما شبكة من المزارع وعلى لائحة منتجاتهما اكثر من 50 صنفاً من الخضروات والفواكهة ولحوم الدجاج والحليب والبيض ومشتقاتها، اضافة الى النبيذ وزيت الزيتون والعسل والحبوب على انواعها. تقوم وزارة الزراعة اللبنانية بوضع الإطار التنظيمي لقطاع الإنتاج العضوي، وهي أصدرت القرار رقم 542/1 (انشاء وتنظيم السجل الوطني للزراعة العضوية)، وتقوم بأعمال المراقبة وإصدار الشهادات حالياً شركة معهد المتوسط للمصادقة IMC (شركة ايطالية) وشركة LibanCert وشركة أس جي أس- لبنان (شركة نمساوية). وقد انشأت وزارة الزراعة لجنة وطنية للزراعة العضوية مؤلفة من ممثلين عن وزارة الزراعة، شركات الرقابة وإصدار الشهادات، الجمعيات المحلية العاملة في مجال الزراعة العضوية، كليات الزراعة، وزارة الإقتصاد والتجارة، وزارة الصناعة، مؤسسة المقاييس والمواصفات اللبنانية – ليبنور، جمعية حماية المستهلك والمنتجين العضويين. و مهام هذه اللجنة متابعة شؤون الانتاج العضوي وتحديد المشاكل والصعوبات التي يواجهها هذا الإنتاج، متابعة تنفيذ مفاعيل التشريعات والقرارات الخاصة بتنظيم قطاع الزراعة العضوية، التنسيق مع كل الجهات العاملة في مجال الانتاج العضوي، دراسة مشاريع القوانين والقرارات المتعلقة بتنظيم القطاع واقتراح خطة وطنية للنهوض بقطاع الزراعة العضوية. رصدت نور حداد في كتاب بعنوان “Eco-Lebanon – Nature and Rural Tourism” 23 شركة ومركزا تجاريا للمنتجات العضوية في لبنان في العام 2013. وتقول وزارة الزراعة ان اللائحة الرسمية للمشغلين العضويين المسجلين في وزارة الزراعة لغاية العام 2013 تضم 19 مشغلاً. لكن اي جهة رسمية لم تعلن بعد انها أجرت فحوصات مخبرية على هذه المنتجات، للتأكد من خلوها من بقايا مبيدات الآفات التي يحظر استعمالها في المنتجات العضوية، وما اذا كانت تحتوي على منتجات عضوية ومنتجات تقليدية عادية مختلطة، وعلى مدى مطابقة وسم المنتجات للمعايير الواردة في المواصفات الصادرة عن مؤسسة المقاييس والمواصفات اللبنانية (ليبنور). يعزو منتجو بيض الدجاج العضوي في لبنان ارتفاع اسعارها بشكل كبير عن المنتجات التقليدية لكون المزرعة مرغمة على استيراد علف الدجاج العضوي من فرنسا، في غياب اي مصنع لإنتاج العلف العضوي في لبنان، إضافة الى امتناع المزارع العضوية عن استخدام اية مضادات حيوية وادوية بيطرية في علاج الحيوانات المريضة، الامر الذي يؤدي الى ارتفاع السعر. لكن السؤال الاهم من يراقب فعلاً هذه المزارع؟ خصوصاً تلك التي تبيع محلياً، لان التصدير الى الخارج يرغم الشركات على اتباع المواصفات، وإلا فان الشحنة بكاملها سوف تُرد، لكن في السوق المحلي يمكن تمرير الامر بدون اية رقابة فعلية على الجودة. ويشتكي المزارعون الذين ينتجون زراعات عضوية من ان السلطات الجمركية منعتهم من استيراد حشرات لمكافحة الآفات الزراعية بطريقة عضوية، وذلك لغياب دراسات تسمح بهذا النوع من المعالجة تؤكد سلامة هذه الطريقة من الناحية البيئية. كذلك تغيب الرقابة الحكومية عن كيفية زراعة المحاصيل الزراعية العضوية، وتحت أي قيود تتم زراعتها (البعد عن حقل مزروعات “تقليدية”، الري، تفادي عمليات الجرف)، كيفية تحويل قطعة أرض تزرع بمزروعات “تقليدية” إلى قابلة لزراعتها بمزروعات عضوية، كيفية تغليّف وتخزين ونقل المنتجات الزراعية العضوية، كيفية عرض المنتجات العضوية في نقاط البيع، كيفية تغليق المنتجات، وما هي الأوسام الموسومة عليها، وما هي عمليات التفتيش والمراقبة التي خضعت لها.