أنور عقل ضو | شكل مؤتمر الأمم المتحدة الثالث لتمويل التنمية في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، خطوة جريئة ومتقدمة حددت آليات واضحة لمواجهة التحديات البيئية من خاصرة التنمية والاستدامة، خصوصا وأن المؤتمر استند إلى حدّ أدنى من معايير أخلاقية وإنسانية تمثلت في إطلاق وتبني حزمة من الأهداف الجريئة، بدءاً من إصلاح الممارسات المالية على مستوى العالم، وصولاً إلى توفير وتأمين استثمارات بهدف التصدي لتحديات اقتصادية، تُوائِــــــمُ بين القضاء على الفقر والجوع في العالم بحلول 2030 والتحكم بالتغير المناخي. لم يتفرغ المؤتمرون لقضايا المناخ مباشرة، ولم ينظِّروا لنسب خفض الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحترار، ولا إلى بدع تفتق عنها الفكر الاستثماري الجشع في دول الغرب الغنية المستأثرة بثروات الكوكب حدّ استنزافها ونفادها، يكفي أن نعلم أن ثروات 85 شخصا من أثرياء العالم تعادل ثروة النصف الأفقر من سكانه، من هنا جاء المؤتمر محاولة لردم الهوة بين الفقراء والأغنياء وكسر احتكار المعرفة العلمية والتقنية الغربية، ولا سيما في مجال التكنولوجيا الخضراء ووضعها بالكامل في متناول الشعوب الفقيرة. ولا نستغرب أن يصنف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون مؤتمر أديس أبابا بين ثلاثة أحداث هامة يشهدها العام الجاري (2015)، إلى جانب مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة في نيويورك المزمع عقده في أيلول (سبتمبر)، ومؤتمر باريس للمناخ COP21 في كانون الأول (ديسمبر)، وتأكيده أن المؤتمر يعتبر خطوة مهمة نحو بناء عالم من الرخاء والكرامة للجميع. المؤتمر الذي استمر أربعة أيام متتالية واختتم أعماله الخميس الماضي باتفاق الدول الغنية والبلدان النامية على وسائل ايجاد حوالي 2500 مليار دولار ضرورية لتمويل التنمية حتى 2030، لتحقيق 17 هدفا للتنمية المستدامة تقوم الأمم المتحدة بتحديدها للأعوام 2015-2030، بعد أن تعهدت الدول المانحة تخصيص 0,7 بالمئة من إجمالي ناتجها الداخلي للمساعدة الانمائية. بعيداً من الإشكاليات التي حضرت بقوة في المؤتمر لجهة مكافحة التدفق غير المشروع لرؤوس الاموال والتهرب الضريبي، وخصوصا الشركات الدولية، وتأكيد انيك جيراردان سكرتيرة الدولة الفرنسية المسؤولة عن التنمية والفرنكوفونية “نحن متفقون جميعا على القول بضرورة الاسراع في التصدي للتهرب الضريبي، هذه موارد نحتاج إليها من أجل التنمية”، وما أشارت إليه لوسي واترينت منسقة هيئة التسهيلات الضريبية والقضائية بأن الولايات المتحدة وأوروبا نجحتا في الاحتفاظ بالهيمنة على نظام الحوكمة العالمية التي تشكل الضرائب جزءا منها، وأن “عالم بروتون وودز (النظام المالي العالمي الذي اقيم في 1944) مصان، ولم يتغير شيء”، تمكن المؤتمر من إقرار خطة عمل وخارطة طريق لتمويل أهداف جديدة للتنمية المستدامة من خلال الأمم المتحدة، ومن بين هذه الاهداف استئصال الفقر بحلول 2030 والتشجيع على تنمية تحترم البيئة وتتصدى للتغير المناخي. تبقى أهمية المؤتمر وأهدافه الطموحة متمثلة في بناء قاعدة دولية للحد من عدم المساواة الاجتماعية والحفاظ على الموارد الطبيعية لكوكب الأرض، ولئن وضع المؤتمرون سقوفا عالية لتحقيق هذه الأهداف، بحيث لن يكون من السهل الوصول إليها دون عقبات، لكنها على الأقل صوبت في اتجاه صحيح يحفظ البيئة ويصون الكوكب بالتنمية والاستدامة واحترام كرامة الإنسان.  

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This