في إعلانه التمهيدي عن كشف “أكبر الخطوات وأكثرها أهمية في مجال التعامل مع تغير المناخ”، لم يراودنا شك بأن الرئيس الأميركي باراك أوباما سيطلق “فقاعة مناخية” لا أكثر، بدليل أن ما كشف عنه اليوم، من القاعة الشرقية في البيت الأبيض، لم يتضمن أكثر مما تناوله “الإعلان التمهيدي” عينه، ما يؤكد أن الرئيس الأميركي في إعلانه عن “خطة الطاقة النظيفة” the Clean Power Plan (مجموعة من التشريعات والأنظمة ستفرض للمرة الأولى على محطات الكهرباء في البلاد تقليص انبعاثاتها من الكربون بنسبة 32 في المئة مع حلول العام 2030 مقارنة بمستويات 2005)، يطمح إلى قيادة أميركا لمؤتمر باريس للمناخ COP23 في كانون الأول (ديسمبر)، من خلال التسلح بسلطة معنوية، ما يعكس النزوع الْمَرَضي لدى الولايات المتحدة في قيادة العالم! ولم يكن من قبيل الصدفة أن يصوِّبَ أوباما على محطات توليد الكهرباء في الولايات المتحدة الأكثر تلويثا في العالم لاعتمادها الفحم الحجري، وهي تتسبب بنحو 40 بالمئة من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون (أكثر الغازات المسببة للاحتباس الحراري والتغير المناخي)، وهو يعلم أن معركته مع الجمهوريين ستكون رابحة مع تنامي مخاوف الأميركيين من الظواهر المناخية المتطرفة التي يتحملون تبعاتها جفافا وكوارث طبيعية، وجاء رد الجمهوريين سريعا بأن “الرئيس قد أعلن الحرب على الفحم”، وهو يشكل مصدرا لأكثر من ثلث احتياجات الطاقة في الولايات المتحدة. كما أن الخطة التي اقترحها أوباما لم تحمل أي جديد في مقارنة مع الخطة الرسمية التي أطلقت في حزيران (يونيو) 2014، والتي كانت موضع انتقاد المشرعين المحافظين، وصناع الوقود الأحفوري وبعض الجماعات المستفيدة، الذين يبررون أن هذا الإجراء سوف يرفع أسعار الكهرباء، ويساهم في عرقلة النمو الاقتصادي. وهذا ما تصدى له أوباما نافيا أن يؤدي خفض انبعاثات الكربون إلى زيادة فواتير الكهرباء على الأميركيين، ما يؤثر سلباً على الفقراء وإمكانية توفير فرص العمل، لا بل شدد على أن التخلي تدريجيا عن الفحم سيخفض كلفة الطاقة في المستقبل بالنسبة للمواطنين العاديين، وسيخلق وظائف في قطاع الطاقة المتجددة ويضمن خدمات طاقة موثوقة بشكل أكبر. وفي ما أعلنه الرئيس الأميركي أيضا، قد يرى فيه كثيرون إنجازاً لأوباما في ما تبقى من فترة رئاسته، ولكن في الواقع يمثل إدانة لأميركا المتخلفة عن أوروبا وبعض دول الاقتصادات الناشئة، وحتى بعض الدول النامية في مجال الطاقة المتجددة. لكن في المقابل، بدا واضحاً أن أوباما توجه بشكل مباشر نحو المشرعين الجمهوريين الذين يشككون في وجود تغير المناخ الناتج عن أنشطة بشرية، فساق بعضا من تجربة شخصية (من خارج النص المكتوب)، فقال أنه خلال عام 1979 وأثناء الدراسة في لوس انجلوس وكان يركض، وبعد خمس دقائق لم يستطع التنفس، وكان ذلك نتيجة الضباب الدخاني الذي يحيط بالمدينة. وتابع “لا أريد أحفادي ألا يكونوا قادرين على السباحة في هاواي أو ألا يكونوا قادرين على تسلق الجبال ورؤية الجليد القطبي لأننا لم نفعل شيئا حيال ذلك”، وقال “أنا لا أريد الملايين من الناس أن يتأذوا وهذا العالم سيكون أكثر خطورة إن لم نفعل شيئا حيال ذلك، سيكون هذا مخجلا لنا، وهذا هو الوقت لنفعل شيئا صحيحا”. لا شك أن أوباما يبحث عن انتصار يعوض من خلاله بعضاً من إخفاقاته في السياسة والاقتصاد، وهو سيتفقد في الأشهر المقبلة ألاسكا لتسليط الضوء على تبعات الاحتباس الحراري، فضلا عن استقبال البابا فرنسيس في البيت الأبيض، ومن المتوقع أن يطلق الرجلان نداءً مشتركا حول المناخ، وهذا ما يؤكد سعي أوباما لإظهار أميركا في موقع يؤهلها لقيادة العالم، وهذه المرة من خلال التغير المناخي كقصية كونية تهدد الحياة على الكوكب.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This