الأزمة تتكلّم: فمن يسمع؟   حبيب معلوف لم يعد هناك من داعٍ للحديث عن أزمة او كارثة النفايات. يفترض، مع تراكم النفايات في الشوارع والأحياء وفي اي مكان، وبعدما باتت تتصدر نشرات الاخبار والصحف وتتصدر أحاديث السياسيين والصالونات… أن تتحدّث الأزمة عن نفسها. لم يعُد هناك من داعٍ لـ «الأريفة». لم يعد هناك مجال لحجب النظر عندما كنا نمر امام سلة نفايات او مطمر او معمل او مكب. كل شيء بات أمامنا. وإن أصرّينا على تجاهل الموضوع، نادانا من أنوفنا. لم يعد هناك من داعٍ للحديث عن صفقات او عن ألاعيب سياسية (بمعنى استخدام الأزمة للضغط السياسي، او تفسيرها بأنها مجرد ورقة ويمكن أن تحلّ غداً إذا حصل توافق) او عن مسؤولية شركات او تقصير حكومي او وزاري او بلدي… المشكلة أصبحت أكبر من الجميع وتعبّر عن أزمة الجميع. لا بل يمكن القول إنها أزمة الحضارة الحديثة. لطالما كتبنا عنها أنها «أزمة حضارة»، كما توقّعنا من كبار الكتاب منذ أكثر من 20 سنة أن يعنونوا كتبهم بـ «تأمّلات في النفايات»، بعد أن كتب كبار المفكرين عن «تأملات في الله» و «تأملات في الطبيعة» و «تأملات في الإنسان». تجوز الدعوة اليوم أيضاً، قبل أن نحاول إخفاءها مجدداً إن عبر الطمر او الحرق او الترحيل الى الخارج او رميها في البحر والوديان… الى ان نتأمل في مكوّنات هذه النفايات التي تنتج عن مجتمعاتنا (بمختلف تلاوينها وطبقاتها وهوياتها الوطنية والطائفية والمذهبية والمناطقية..) كل يوم والتي باتت همّاً كبيراً. لعلنا من خلال التأمل في المكوّنات، يمكن أن نضع أسس الحلول، بعيداً عن الأفكار المسبقة وعن تأثيرات خبراء وسماسرة التقــنيات الذين يعقّدون الحلول للترويج لبضاعتهم. وانطلاقاً من النوعية، يمكن ابتداع الحلول عبر اتباع السياسات المخففة أولاً وعبر الفرز وإعادة التصنيع والتخمير ثانياً. هذه الخلفية يعرفها ولا يعرفها كثر. ولكن من المؤكد أن أحداً لم يتبنّها بشموليتها. وقد تشوشت الأفكار كثيراً بفعل قوة اقتصاد السوق القائم على تشجيع زيادة الإنتاج والاستهلاك معاً وبأي ثمن. وهذا ما يفسر زيادة حجم النفايات وقلة الوعي من أثرها السلبي. فالإعلان تغلب على الإعلام وافكار التنمية تغلبت على أفكار البيئة وحلم الرفاه على حكم حسن التدبير والتوفير… حتى غرقنا بالنفايات. وقد تداخلت السياسة مع المصالح في الاستثمار مع الجهل، مع اللامبالاة… فأنتجت مشكلة، عنوانها الأبرز، فقدان الثقة. لهذه المشكلة وجوه عدة. فقدان الثقة بين المواطن والمسؤول، مهما كان هذا المسؤول، حاكماً كان او زعيماً او رئيس حزب او كتلة أو وزيراً او نائباً او رئيس بلدية او مختاراً. يسمّيه البعض فقدان هيبة الدولة. كما تمّ ضرب روح التعاون بين الأحزاب والوزراء والنواب والبلديات والقرى والأحياء والبنايات… حتى داخل البناية نفسها لا يتفق السكان على أبسط الأمور المشتركة! ويمكن أن تدخل عملية سوء الفهم وعدم التعاون وفقدان الثقة داخل المنزل الواحد والعائلة الواحدة، والفرد نفسه الذي بات ضائعاً غريباً لا يعرف نفسه ولا ماذا يريد! إنها طبيعة المجتمع الاستهلاكي السائد… مما يتطلّب إعادة النظر بالنظام السائد، وابتداع نظم أخــلاقية وفكرية واقتصادية واجـــتماعية مخــتلفة، تحاكي مشاكل العصر الأساسية والحياتية، وبينها النفايات. ليس هناك من حلول سحرية لمشكلة الــــنفايات على أنواعها. فكل خيار له انعكاساته وآثاره وكلفته. إلا أن الحل الأمثل، هو الذي ينطلق من قواعد استراتيجية شـــاملة ومبادئ عــــادلة لا تميّز بين مستــثمر وآخر ولا بين تقنية وأخرى ولا بين منطــقة وأخرى… بل تنطلق من فلسفة بيئية حفــــاظية، ومبادئ بيئية صرفة كمبدأ التخـــفيف أولاً والفرز ثانياً والتـــخمير وأي حلّ تقني لما يتبقّى. المهم أن تكون البداية سليمة. ولا أحد يستطيع أن يبدأ بشكل شامل إلا الدولة بوصفها عقل المجتمع. كلُّ الخبراء المحايدين يعرفون اليوم أن المشكلة باتت أكبر من الجميع، وأن المكابرة وانتظار المناقصات (التي وصفناها بالناقصات من اللحظة الأولى التي أعلن عنها) وفضّ العروض لن تساهم في ترميم الثقة المفقودة، وأن أحداً لن يستطيع على قواعد غير سليمة أن يفرض أي شيء على الناس في أي منطقة من لبنان، كما بات واضحاً في الفترة الأخيرة. فلماذا انتظار فضّ العروض، طالما النتيجة معروفة. فإما ان العارضين قد اختاروا أماكن للمعالجة ستكون مرفوضة من المحيط واما لم يختاروا مما سيجعل العرض غير مستوفٍ الشروط الفنية. ولا يقنعنا أحد بمقولة أن الدولة ستساعد الفائزين في العروض بالقوة لإرغام المعترضين على القبول. وتصريح النائب وليد جنبلاط بالأمس على نواقص دفاتر الشروط (وإن متأخراً) خير دليل على عقم الحلول المطروحة. فلماذا لا نربح الوقت ونبدأ مباشرة بمشروع استراتيجي جدّي ومجرد، موجود كاقتراح في وزارة البيئة؟ المبادرة عند وزير البيئة بصفته رئيس اللجنة الفنية التي ستفضّ العروض وبصفته المؤتمن على طرح حلول أكثر استراتيجية لمعالجة هذا الملف. فهل يبادر سريعاً قبل فوات الأوان؟

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This