(باحث هيدروجيولوجي)

تشكو القرى الجبلية المرتفعة عن سطح البحر من نقص تاريخي في مياه الشرب والإستعمال، لا سيما في فصلي الصيف والخريف حيث تخف أو تختفي مصادر المياه السطحية.

البلدات الجبلية العالية موجودة تاريخيا بالقرب من ينابيع تخرج مياهها من عمق المخازن  الصخرية، نتيجة التكسرات والإلتواءات الصخرية أو التقاء الصخور ذات النفاذية المائية العالية  مع تلك المانعة لتسريب وتخزين المياه، والأمثال على ذلك كثيرة: نبع شبعا، نبع أفقا، نبع الطاسة… الخ.

تحد الطبيعة الجبلية والتضاريس المعقدة للصخور الكربوناتية المكونة للمرتفعات اللبنانية  من القدرة على التخزين السطحي بواسطة البرك التلالية أو السدود الصغيرة، فهي خطرة وغير عملية أو استثمارية، لا سيما وأن نسبة تبخر المياه على هذه الإرتفاعات يبلغ أحيانا أكثر من خمسين بالمئة، حسب دراسات الأمم المتحدة للتنمية UNDP وتقارير منظمة الفاو FAO.

إزدادت الحاجات المائية ولم تعد تكفي المياه السطحية لسد نقص المياه في الصيف والخريف. عمدت وزارة الطاقة والمياه ومجلس الجنوب وبعض البلديات باستثمار المخازن الجوفيّة المتوفرة في المناطق اللبنانية، وأكدت النتائج الإيجابية التي تمّ الحصول عليها ما نشره  تقرير الأمم المتحدة للتنمية UNDP “لبنان – مياه جوفية – 1970″، عن أهمية استثمار المياه الجوفية في لبنان، هذه الحقيقة نجدها أيضا في إصدارات البعثة الجيولوجية الفرنسية 1938 – 1955، وفي كتابات المرحوم إبراهيم عبد العال.

السياسة المائية الرشيدة ليست هندسية فقط، بل تعتمد على علوم الجيولوجيا المائية أو الهيدروجيولوجيا، وعلى التحديد الواضح لمخازن المياه الجوفية المتوفرة ولأحجامها وأحجام مخزونها المائي المتجدد سنويا بتسرب مياه الأمطار، وتلك الناتجة عن ذوبان الثلوج.

المخازن الجوفية الكربوناتية الكارستية اللبنانية:

-الجوراسيك: سماكة 1200 متر صخور كربوناتية 600 كلم2 في السلسلة الغربية و550 في الشرقية.

-الطبشور: سماكة  600 متر صخور كربوناتية 3000 كلم2 في السلسلة الغربية و1200 في الشرقية.

-الإيوسين: سماكة 350 متر صخور كربوناتية 200 كلم2 في البقاع.

توزع الثروة المائية:

-أقل من 30 بالمئة من الثروة المائية: يتمثل بمجموع المياه السطحية من أنهار وبرك وسواقي ومجاري وحتى الينابيع.

-أكثر من 70 بالمئة من الثروة المائية:  يتمثل أساسا في المياه المختزنة جوفيّاً داخل الصخور الكربوناتية الكارستية والمتجددة سنويا بمياه الأمطار والثلوج.

السياسة المائية المتبعة حالياً من قبل الإدارة الرسميّة هي تماما بعكس التوصيات العلمية، وتهدر مليارات الدولارات في محاولات استثمار المياه السطحيّة، بينما إستثمار جزء من مخزون المياه الجوفيّة لسد الحاجات الى مياه الشرب والاستعمال لا يُكلّف سوى عشرات الملايين، ويُترك الباقي كاحتياط وطني، المُقدر لبلد صغير مثل لبنان بــأقلّه 25 بالمئة من مُجمل الثروة المائيّة البالغة 4,3 مليار متر مكعب متجدد سنويا بحسب الـ UNDP.

وعليه تتراوح التكلفة المُباشرة للإستثمار الجوفي ما بين 1– 5 بالمئة من الإستثمار السطحي لنفس كميّة المياه المعتمدة.

فما الفائدة من تجميع المياه السطحيّة في بحيرات مكشوفة، خصوصا وأنّه يتبخّر قسم منها ويتسرّب قسم آخر ويتلوّث القسم المتبقّي؟

يبدو أن المقررين للمشاريع في قطاع المياه لا يعرفون شيئا عن المعطيات الجيولوجية والهيدروجيولوجية، لذا تكون قراراتهم عادة خاطئة وغير مبررة علميا، ويعاني اللبنانيون في كل المناطق سنويا من نقص حاد في المياه، مع العلم أن الخبراء العالميين للبنك الدولي (الممّول فقط للسدود في لبنان) يعلنون على صفحاتهم الإلكترونية، أنّ لبنان وتركيا هم من أكثر البلدان غنى بالمياه في منطقة الشرق الأوسط.

لبنان في 13 آب (أغسطس) 2015

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This