تستحق هذه الحكومة الرحيل والسقوط بالمطلق، ولا أسف على سياساتها وممارساتها. ولكن الوضع الراهن للسلطة السياسية في لبنان، وعمق أزمة المؤسسات، في ظل شغور رئاسة الجمهورية، وتعطيل مجلس النواب والشلل الجزئي للحكومة بالذات، يحول دون الاستمرار بالمطالبة برحيلها، لا سيما أن البديل عن النظام الطائفي المقيت في لبنان، والقوى المفترضة لحمل البديل الديموقراطي ليست جاهزة، ولا هي في حالة نضج يسمح لنا بموضوعية مطالبتها باستكمال الحراك باتجاه إحداث هذا التغيير الجذري المطلوب. هذا لا يعني أننا أمام استحالة إحداث تغيير ما، باتجاه تحقيق بعض التحسينات على الوضع الراهن، الذي وصل إلى الحضيض وفق كل المعايير. يجب أن يستمر الحراك الشعبي، وأن يحشد القوى والفئات والأحزاب والشرائح والنقابات وأوسع الجماهير للمشاركة والاستمرار في المشاركة في التحركات الاحتجاجية، ولكن وفق أي برنامج وأي لائحة مطالب؟ الابتعاد عن طرح مسألتين: إسقاط النظام، ورحيل الحكومة. لأن هاتين المسألتين لو تحققتا بالفعل لسقط البلد في الخراب وفي المجهول الذي أصبح معلوما، بعد ما شاهدناه في العديد من الدول العربية. إذن ما هو البرنامج المطلوب وسقف المطالب؟ المطالبة بأن تتعامل الحكومة مع البلد على أنه وطن نسعى إلى تنميته وتطويره، وليس ساحة سائبة للنهب والسرقة دون رادع أو وازع. المطالبة بأن تتعامل القوى السياسية، المكونة للسلطة في لبنان، على أنها مسؤولة ومؤتمنة على المال العام، وليست متصرفة به ومتنازعة على اقتسامه في ما بينها وفق آليات المحاصصة والتجاذب القائمة حتى الآن. الاستماع إلى رأي الشعب والرأي العام وأصحاب الاختصاص، وأخذ ما يطرحونه من رؤى وسياسات بعين الاعتبار، وتحويلها إلى استراتيجيات وطنية والبدء بتطبيقها. هذا ينطبق على ملف النفايات وغيرها من الملفات. فلتبدأ الحكومة بإلغاء مرسوم مصادرة أموال الصندوق البلدي المستقل، وتعود إلى تطبيق قانون توزيعها على البلديات وفق معايير استحقاقها القانونية، لتتمكن البلديات مع القيام بدورها كاملا في التنمية المحلية، وبمعالجة ملف النفايات من ألفه إلى يائه بطرق سليمة بيئيا ومقبولة اقتصاديا وبكلفة معقولة، واسترداد ما فيها من قيمة للتعويض عن جزء من كلفة إدارتها السليمة. لتقر الحكومة سلسة الرتب والرواتب لكي تحدث النقلة الإيجابية في تحريك عجلة الاقتصاد في البلد، التي تكاد تنعدم مع انخفاض القدرة الشرائية لشرائح واسعة من الشعب اللبناني. لتعيد الحكومة إنشاء وزارة للتخطيط والتصميم كي تتولى وضع سياسات وخطط وبرامج متناسقة للتنمية الشاملة والمستدامة. وتحل محل مؤسسة مجلس الإنماء والإعمار ومثيلاتها، التي أوصلت البلد إلى هذا المستوى الخطير من الفوضى والارتجال وسوء التطبيق، وما يرافق كل هذه العمليات من فساد ومحاصصة واقتسام لخيرات البلاد ونهبها. تفعيل مؤسسات الرقابة من تفتيش مركزي وديوان محاسبة ومجلس دستوري، وإعادة بث الحياة فيها لتستعيد مجد عمل الدولة والإدارة، ونقل البلد من حالة الهزال والانهيار المؤسسي إلى وضع يشعر فيه المواطن أنه في بلد يسود فيه القانون والعمل المؤسسي، لا الفوضى والزبائنية والسمسرة والرشوة والترهل الإداري والمؤسسي على كل المستويات. الامتناع الكلي عن ممارسة القمع الهمجي، والتعامل مع المواطنين باحترام حقوقهم المدنية والمواطنية والإنسانية الأساسية. هل هذا كثير ما نطلبه، إنه الحد الأدنى الممكن القبول به لاستمرار هذه السلطة السياسية، وهذه الحكومة متربعة على صدور البلاد والعباد، وإلا فليكن ما يكون.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This