ما تزال أزمة النفايات في لبنان ماثلة كقضية عصية على الحل، لا بل يبدو أنها ستمتد لأشهر عدة، طالما لم تلح إلى الآن بوادر تشي بأن ثمة انفراجات في الأفق، ما يعني أننا مضطرون لمواجهة أخطار هذه النفايات، وهي باتت قريبة من السلع الأكثر استهلاكا من قبل اللبنانيين، وخصوصا قوت الفقير من الحبوب والطحين، أي رغيف الخبز. فمنذ أيام عدة، جرى الحديث عن إمكانية رمي نفايات منطقة بيروت الإدارية في باحة الـ “AB” في مرفأ بيروت التي تقع بمحاذاة إهراءات الحبوب في المرفأ. هذا وجرى أيضا استحداث مكب للنفايات بالقرب من “مطاحن بقليان” في متطقة الكرنتينا، التي تنتج بين 35 الى 40 بالمئة من حاجة لبنان للطحين أو الدقيق المستعمل في صناعة الخبز وسلع غذائية أخرى.   النفايات في محيط بقاليان   منذ شهر، وبالتحديد في 28 تموز (يوليو) 2015، كانت إدارة “الشركة الصناعية للشرق – مطاحن بقاليان”،  قد أعلنت في بيان عزمها على الاقفال بسبب القرار الحكومي الذي صدر آنذاك، والذي يقضي بتجميع النفايات في أرض بمحاذاة المطحنة في الكرنتينا. كما ناشدت إدارة المطحنة المسؤولين المعنيين لوقف عملية تجميع النفايات في تلك الأرض، “حرصاً على صحة وسلامة المواطنين وعلى الانتاج من الدقيق الذي يمتاز بمواصفات عالية”. وبعد مرور شهر على هذه الأزمة، لا تزال النفايات متكدسة في تلك الأرض المجاورة للمطحنة، وقد تفقد وزير الإقتصاد والتجارة آلان الحكيم “مطاحن بقاليان”، وقال أن هناك “زنارا من النفايات يلتف حول هذا المصنع من الشمال والشرق والجنوب وقد يكون المرفأ مركزا إضافيا ما قد يؤدي الى انتشار الروائح والامراض والاوبئة”، ولفت إلى أن “ما تشهده المطحنة اليوم يمثل كارثة على الأمن الغذائي وهذا أمر مرفوض”، لا بس سأل حكيم: “لماذا اكبر مطحنة وإهراء للحبوب في المرفأ وفي منطقة سكنية شعبية تتقاصص؟”.   تناقض في المواقف   على ضوء ذلك، حاولنا في greenarea التواصل مع أحد المعنيين في “مطاحن بقليان” للوقوف على حقيقة ما يجري، وما طرأ في قضية المطحنة والحلول التي تم التوصل إليها بعد المناشدة التي تقدموا بها. واستطعنا التواصل مع أحد المعنيين هناك وهو طوني تابت، فأكد لنا أن المطحنة “معزولة” تماما عن الخارج، وأن “لا خوف على الطحين”، ما يؤكد أن هناك تناقضا في المواقف بين القيمين على هذا المرفق الاقتصادي من جهة، وبين وزير الإقتصاد والجارة آلان الحكيم من جهة ثانية، خصوصا وأن الأخير كان قد أبدى تخوفه من “كارثة”! كما بدا ذلك المسؤول في عجلة من أمره، وقد حاول التهرب من بعض الأسئلة التي طرحناها عليه. وعندما سألناه عن إذا كانت البيئة المحيطة عاملا مؤثرا ومصدر إزعاج للموظفين في المطحنة بسبب الروائح المنبعثة؟ أجاب بما يشبه السخرية “لم أسأل الموظفين عن ذلك”.   إضراب المرفأ المعلق   من جهة ثانية لا يزال الإضراب معلقا في مرفأ بيروت، وهذا ما أكده رئيس موظفي المرفأ بشارة الأسمر لـ greenarea، وقال: “حتما سيتم الجوء للإضراب الفوري المفتوح والإعتصام في حال العودة الى طرح إستعمال الباحة (AB) أو أي باحة في حرم المرفأ أو محيطه، لا سيما خلف الاسواق الاستهلاكية وسوق السمك المجاور لنهر بيروت”. ووجه الأسمر نداء عبر greenarea طالب فيه “المعنيين بنقل وإزالة ما تكدس من نفايات على مدخل المرفأ الشرقي، وخصوصا النفايات القريبة من المطاحن، لما تشكله من خطر على الامن الغذائي وعلى صحة الموظفين والعاملين والمتعاملين مع المرفأ”. يذكر في هذا المجال أن الإضراب جاء ردا على اعتماد المنطقة “AB” في المرفأ كموقع لتجميع النفايات.  لكن سرعان ما علق الإضراب، بعد موافقة رئيس الوزراء تمام سلام على عدم اعتماد هذه المنطقة كمكب للنفايات. وجاء قرار سلام بعدما شرح وزير الصحة العامة وائل ابو فاعور له مخاطر وضع النفايات في تلك الباحة. وقد تبلغ أبو فاعور من سلام قراره وقرار وزير الداخلية بعدم رمي أي نفايات في هذه المنطقة حرصا على الصحة والسلامة العامة. هذا وكان وزرير الإقتصاد والتجارة آلان الحكيم قد أعلن خلال تفقده للمنطقة  “AB” رفضه التام لهذه الكارثة ودعمه للتحركات التي يقوم بها العاملون في المرفأ بشكل موحد. ودعا الوزير سكان المنطقة الى مجابهة هذه الكارثة البيئية عبر رفض أي محاولة لتجميع النفايات.   سلامة غذائنا… في خطر   وأضاف حكيم “لن نقبل بهذا الواقع وسنصعد وندعو الجميع الى التصدي لهذه الخطوة لانها تنعكس سلبا على صحة المواطنين وعلى الدورة الاقتصادية، وعلى البيئة الحاضنة لاكبر مرفق لبناني اقتصادي، وأكبر مطحنة تؤمن حاجة 40 بالمئة من لبنان من الطحين”. ويمكن أن نستنتج مما سبق، أن لا حلول جذرية مرتقبة في ما يخص النفايات المحيطة بـ “المطاحن”. ويبدو بحسب المعنيين بأزمة النفايات، أن الأزمة قد تمتد إلى أشهر. وبهذا يمكن القول أن النفايات المتجمعة بقرب المطحنة ومحيط المرفأ قد تصبح جبلا من النفايات قريبا! أي أن سلامة غذاء اللبنانيين والعاملين في الرفأ وحركة المرفأ في خطر. كما أن المشكلة لم تعد مقتصرة على تلوث الهواء الذي نتنشقه والمياه التي نشربها فحسب، بل هي تعدت هذا الأمر لتهدد طعامنا ومحيطنا بشكل عام، ما يعني أننا حيال أزمة تتهدد حياتنا ما لم نقابلها بإجراءات توازي حجم مخاطرها.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This