طالعتنا الأخبار أن رئيس وزراء لبنان تمام سلام طلب مساعدة الأتراك لحل مسألة النفايات في لبنان، ووعدوه بإرسال فريق من الفنيين للمساعدة. هل نسي رئيس الوزراء أنه رئيس وزراء لبنان، وليس أي بلد آخر؟ لبنان البلد، الذي يزخر بالفنيين والمتخصصين وحملة الدكتوراه بمختلف العلوم والاختصاصات الفنية والتقنية والهندسية. هل يجهل رئيس الوزراء أن لبنان يطفح بكوادره العلمية، وهم منتشرون في كل بقاع الأرض، يسهمون إسهاما عظيما في التقدم العلمي والتقني والتطبيقي في كل مجالات العلوم والتطبيقات وفي كل أنحاء العالم؟ وهل يجهل رئيس الوزراء أن لبنان المقيم أيضا يعج بالكوادر العلمية رفيعة التكوين وغنية الخبرة، وهم يملأون الجامعات والمعاهد ومراكز الأبحاث الوطنية والخاصة، وهي من أكثر الجامعات العالمية عراقة وخبرة وتاريخا؟ هل يجهل رئيس وزراء لبنان، أن منظمات المجتمع المدني أيضا، التي لا يكن لها معظم الطبقة السياسية الاحترام والتقدير الكافيين، ومنهم رئيس الوزراء وكثير من وزراء الحكومات السابقة والحكومة الحالية، تضم في صفوفها نخبة واسعة من أصحاب الاختصاص والدكاترة والماجستير والمهندسين والفنيين والاداريين والمحامين والاقتصاديين والباحثين في مختلف فروع العلوم النظرية والتطبيقية؟ ربما يجهل كل ذلك، أو ربما اعتادت الطبقة السياسية اللبنانية على كسر اليد والشحادة. واعتادت على المكرمات من كل جهة وصوب، تملأ بها جيوبها وجيوب الفاسدين من المتربعين على سدة القرار في هذه الدولة المنهارة. ربما يجهل، أو ربما يعتقد أن استجداء خبراء وفنيين من الخارج يشفي، في حين “كنائسنا” و”مساجدنا” القريبة لا تشفي. أو ربما، وتيمنا ببواخر الكهرباء التركية، التي أنهت لنا أزمة الكهرباء، فأصبحنا ننعم 24/24 بفائض من النور والدفء، أراد الرئيس أن يمن علينا بنعم الأتراك في معالجة أزمة النفايات… يا رئيس وزراء لبنان، أزمة النفايات ليست أزمة فنية أو تقنية، أو تحتاج إلى تكنولوجيا نووية لمعالجتها. أزمة نفايات لبنان هو أنتم وسياساتكم وسياسات الحكومات التي سبقتكم. أزمة النفايات هي أزمة محاصصتكم لكل شيء، واقتسامكم لكل شيء، ومصادرتكم لخيرات البلاد والتحكم بها وتوزيعها على زبائنتكم وأزلامكم وأتباعكم على حساب تقدم البلد وتنميته المتوازنة والشاملة والمستدامة. أزمة النفايات هي أزمة فساد إدارتكم وعفنها، هي أزمة خيارات وزاراتكم ومؤسساتكم، التي تلبي الخدمات لشرائح الفساد المتفشي في كل تلافيف سلطتكم وإدارتكم ومؤسساتكم. أزمة النفايات، هي وليدة تجاهلكم، وصم آذانكم، عن صوت اللبنانيين، بكل ما يزخرون من مخلصين وساعين لخلاص البلد منكم، ومن سطوة الفساد والزبائنية والرشوة في مؤسسات دولتكم، ووضع اليد على خيرات لبنان غير آبهين لا بطبيعة ولا بموارد ولا ببيئة أو صحة عامة. بح صوت الحركات البيئية ومنظمات المجتمع المدني، منذ أكثر من عشرين عاما، وهي تطرح الحلول البيئية السليمة، والسياسات الحكيمة في إدارة النفايات، والمعالجات العقلانية والسليمة بيئيا وصحيا، وذات الأفضليات الاقتصادية والاجتماعية، فماذا كانت استجابتكم؟ كانت استجابتكم يا رئيس وزراء لبنان، على طراز مقولة وزيركم للبيئة : “القافلة تسير….” ، ولا أشك أنك تعرف بقية القول المأثور. اليوم تستدعون الفنيين الأتراك ليحلوا لكم أزمة النفايات، التي استولدتها سياساتكم العقيمة والمشبوهة والفاسدة. ربما بهم الخير، والله أعلم، وإنما معالجة أزمة النفايات الصائبة والحكيمة والسليمة تكمن في اقتراحات الحركة البيئية ومنظمات المجتمع المدني اللبناني، الذين يتجاوزونكم حرصا على بناء لبنان، ورفعة لبنان، وسلامة بيئة لبنان وصحة أبنائه، اليوم وللأجيال القادمة. هم نذروا أنفسهم من أجل عزة وتقدم ورفعة وسلامة لبنان، هم لا يسعون إلى اغتناء غير مشروع، ولا إلى استغلال موارد لبنان لمصادرتها واقتسامها. بل يتحرقون على بلد نهشته أنيابكم وعاثت فيه فسادا وهزالا وانهيارا. هم يتلهفون على وطن يعيش شعبه برخاء ورفعة وكرامة وتحضر ومساواة أمام القانون والعدالة والمساواة بالفرص، وبالانتظام العام والديمقراطية واحترام حقوق المواطنية والانسان الأساسية. يحلمون ببلد الحوار المتحضر بين الدولة وشعبها، وإشراكه عبر مؤسساته المدنية المتنوعة بالتشاور وصنع القرار. هم أم الصبي الحقيقية يا رئيس وزراء لبنان، وليس بضعة من فنيين أتراك تستدعيهم لإنقاذ البلد مما أوصلتموه إليه بإصراركم على صم آذانكم عن مناداة خيرة أبناء شعبكم، بل كل شعبكم.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This