تبدأ اليوم جولة جديدة من المفاوضات تحضيرا لمؤتمر باريس للمناخ COP21، في مدينة بون الألمانية، ولكنها تبقى متخلفة عن مجاراة حجم المخاطر الناجمة عن تغير المناخ، وقاصرة عن ملاقاة مخاوف العلماء وما تفضي إليه دراساتهم من حقائق تستحضر القلق أبعد بكثير مما كنا نتوقع، وآخرها ما ساقته صحيفة “الإندبندنت” The Independent البريطانية، في صدر صفحتها الأولى، بعنوان “الحقيقة المرعبة عن تغير المناخ”، وأكدت فيه أن “الرقم القياسي في ارتفاع درجات الحرارة العالمية قد تم تحطيمه 3 مرات خلال الأعوام الخمسة الماضية فقط”، ما يشير لخطورة ظاهرة تغير المناخ، خصوصا وأن العلماء يَـقومون بجمع درجات الحرارة المسجلة في عدة دول من مختلف أنحاء العالم وفي أوقات مختلفة من العام، ما مكنهم من رسم وتحديد معالم قاتمة لمستقبل الكوكب. ثلاثة أشهر تفصلنا عن مؤتمر باريس، وليس ثمة ما يبدِّد القلق من أن العالم سيكون قادرا على تبني اتفاق إطاري لوقف الاحتباس الحراري وحصره بدرجتين مئويتين، خصوصا إذا علمنا أن التعهدات الوطنية بخفض انبعاثات غازات الدفيئة التي أُعلن عنها حتى الآن، لا تسمح بحصر الاحتباس دون درجتين مئويتين، علماً أن 60 بلداً يتحمل مسؤولية 70 في المئة من الانبعاثات، فضلا عن أن الحرارة بلغت مستويات قياسية في تموز (يوليو) الماضي، مع معدل حرارة لا مثيل له منذ بدء جمع بيانات في هذا الشأن عام 1880، كما كانت الأشهر السبعة الأولى من السنة الأشد حراً على الإطلاق. على وقع التحديات الكبيرة، سيدرس ممثلو الأطراف في اتفاق الأمم المتحدة الذي وقّعه 195 بلداً، في مدينة بون، وثيقة أعدت قبل نحو شهر ونصف الشهر – خلال خمسة أيام متتالية – من 31 من الشهر الجاري حتى الرابع من أيلول (سبتمبر) المقبل، ويُفترض – بحسب وكالة الصحافة الفرنسية – أن “تكون هذه الوثيقة التي تشكل أساس المفاوضات على مشروع اتفاق أولي أكثر وضوحاً من النسخة السابقة، لكنها تحافظ على الخيارات لكل مسألة مطروحة”. وما يؤكد أننا ما نزال بعيدين عن الأهداف المرجوة، ما ألمح إليه بيير كانيه من “الصندوق العالمي للطبيعة” في فرنسا، لجهة ضرورة “التطرق إلى صلب الموضوع”، لا سيما وأن الجولة الأخيرة من المفاوضات في حزيران (يونيو) الماضي لم تؤد سوى إلى تنقيح نص المفاوضات، ما دفع بالمشاركين إلى الطلب من رؤساء الجلسات توضيحه، فيما يبقى الأهم الآن تقليص الخيارات المقدمة لكل مسألة، وهذه المهمة ليست بسيطة لأن كل واحدة ربما تتضمن 8 أو 9 احتمالات، ما دفع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، للتأكيد على ضرورة تسريع عجلة المفاوضات. ومن بين المواضيع التي لا تزال عالقة، كيفية تقسيم الجهود بين البلدان الثرية من جهة المسؤولة بجزء كبير عن انبعاثات غازات الدفيئة، وتلك الفقيرة والناشئة من جهة أخرى، وتنص الفقرة الأولى من الوثيقة الموجزة، على المسائل التي يمكن إدراجها في الاتفاق النهائي في باريس. في حين تتطرق الفقرة الثانية إلى فحوى الإجراءات التي قد تتحول إلى قرارات. أما الفقرة الثالثة، فتتمحور على المسائل الشائكة قيد المناقشة. ويبقى التقدم الوحيد المحرز حتى الآن متمثلا بما توصل إليه الاجتماع الوزاري غير الرسمي الذي احتضنته باريس الشهر الماضي، وهو اقتصر على مسائل رئيسية، لجهة ضرورة التوصل إلى اتفاق مستدام وآلية واضحة لزيادة الالتزامات الجماعية بهدف خفض انبعاثات غازات الدفيئة، لكن دون تحديد آلية تؤمن إمكانية ترجمة هذا الاتفاق كنص ملزم، وهذا ما ألمح إليه قبيل اجتماع بون بعض الخبراء لجهة ترجمة الأقوال إلى أفعال، وهذه إشكالية أعقد من أن يتمكن المجتمعون  في بون تجاوزها، وستكون حاضرة في الاجتماع الوزاري غير الرسمي في باريس في السادس من أيلول (سبتمبر) المقبل والسابع منه بعد جلسات بون. ومن جهة ثانية، ستُعقد لقاءات دولية أخرى، أبرزها اجتماع بين الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ورؤساء 27 دولة الشهر المقبل في نيويورك، وجلسات على هامش اجتماعات البنك الدولي وصندوق النقد في تشرين الأول (أكتوبر) في ليما، فضلاً عن لقاءات ثنائية بين الزعماء، لكن وسط مخاوف من أن تعطل مصالح الدول الوصول إلى اتفاق ملزم في مؤتمر باريس في كانون الأول (ديسمبر) المقبل، ونفوت فرصة جديدة لإنقاذ الكوكب.    

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This