مشكلة النفايات ليست وليدة الساعة إنها مشكلة مزمنة، وهي نتيجة التسيب وانعدام الشعور بالمسؤولية من قبل من يقال عنهم مسؤولون، ومن قبل الشعب أيضا الذي سكت طوال هذه المدة وترك للفاسدين والمفسدين أن يتحكموا بحاضره ومستقبله. بالفعل علينا أن نحاسب، ولكن القدرة على الحساب والمحاسبة ليست متوفرة في الوقت الحاضر. هناك مصيبة مستجدة وقعت على رؤوسنا وعلينا أن نجد حلا لها وعلى وجه السرعة، وإلا وقعنا في ما هو أعظم. فما هي الحلول؟ في رأيي أن الحل الآني هو في السرعة بمعالجة المشكلة الحالية، ورفع النفايات من كل الأمكنة وخصوصا من العاصمة بيروت، بيروت ليست مدينة مغلقة، إنها عاصمة بلدنا ومرآته التي تعكس صورة البلد، فإن كانت وسخة فجميعنا “وسخون”، وجميعنا من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، ومن السلسلة الشرقية والبقاع إلى البحر ليس لنا غنى عن بيروت، ولهذا فعلى جميع المناطق أن تتحمل قسما من نفايات بيروت لأنها نفايات الجميع، وإلا فما هو الحل؟ هل نترك النفايات مرمية في الشارع وغدا يأتي المطر فتتدحرج النفايات وتسد منافذ المياه فتغرق العاصمة بالماء والنفايات معا؟ كل المناطق “شربت حليب السباع” وخرجت تتظاهر، ولا تريد أن تصبح مناطقها مكبات. الواقع أن لبنان كله مكب، علينا أن نتحمل نتائج سكوتنا وتخاذلنا وخوفنا من المسؤولين، ولكن في ما بعد والطريق طويل، على كل منطقة أن تستوعب مشكلة النفايات المتكدسة وإلا فما هو معنى المواطنة؟ الزبالة موقعها على الأرض، وليس بوسعنا أن نحملها إلى السماء! بعد المضي برفع النفايات، وبالمواكبة مع هذا الحدث، علينا أن نعمل جميعا، حكومة وسائر الحملات التي إنطلقت ومعها الجماهير وبضغط منها، لنضع استراتيجية معالجة النفايات حتى لا نعود إلى ما نحن عليه الآن وهذا جد وارد. أفضل الحلول المستقبلية لمعالجة النفايات بشكل علمي، وبالاستفادة من تجارب الآخرين، يتلخص في الأمور التالية: 1-ثقافة الإستهلاك: نحن شعب نستهلك كثيرا. هناك جنون في الإستهلاك، وهذه ثقافة مدمرة للمجتمع، وعلينا أن نعمل: مدارس ووسائل إعلام ومنظمات المجتمع الأهلي على معالجتها والحد من استفحالها. 2-يجب أن نتعاون جميعا في ما يعرف بإعادة الإستعمال، بمعنى ألا نرمي شيئا في الزبالة قد يستفاد منه على الصعد كافة: آلات كهربائية وإلكترونية – أثاث منزلي – ثياب – جزادين – أحذية – أغطية الرأس – سجاد، وعلى جمعيات المجتمع الأهلي أن تلعب دورها في هذا المجال، أي لجهة جمع هذه الأشياء وتوزيعها على المحتاجين. 3-الفرز من المصدر، وخصوصا من البيوت، لأن النفايات الصلبة (معادن، زجاج، كرتون، ورق، لمبات وألعاب الكبار والصغار) إذا ما وضعناها مع نفايات الطعام يصبح فرزها لاحقا مستحيلا، وعملية إنتاج السماد من النفايات العضوية والتي عولت عليها البلديات في مرحلة سابقة فشلت فشلا ذريعا، لأن السماد (compost) المنتج جاء مليئا بالزجاج وبسموم البطاريات، فكان سمادا رديئا غير صالح للأرض والمزروعات، ووقع رؤساء البلديات في مشكلة عويصة، أي كيفية التخلص من هذا السماد المنتج. وهنا يبدو دور الدولة محوريا: صحيح أن التوعية هي الأساس وأن النصيحة والمعرفة مجديتان، ولكن هذا ليس كافيا. هناك العقوبة والقصاص ومسؤولية الدولة. الدولة يجب أن تضع القوانين الملائمة وتطبقها. أقول تطبقها لكي يلتزم الجميع بالفرز من المصدر. وهذا الأمر انتجته دول كثيرة تفوقنا في مجال التكنولوجيا لجهة معالجة النفايات، من هذه الأمور أن بلدا حضاريا كسويسرا يغرم كل صاحب كيس غير مفروز بـ 5 يورو، وفي ألمانيا تضع البلدية في أسفل كل بناية مستوعبات لمختلف أنواع النفايات وتحيطها بسياج، وكل شقة لها مفاتيحها التي تفتح بها غرفة النفايات هذه فيضع المرء نفاياته ويغلقها، ثم يأتي آخر وهكذا دواليك. وفي الطرقات العامة يضعون مستوعبات لها فوهات توضع فيها علب العصير والمياه، فيتلقى الواضعون من الجهة المقابلة إيصالات يصرفونها ويتقاضون بدلا من هذه الأشياء التي ابتلعتها الآلة. أما نحن فقد انتشرت عندنا منذ عشرات السنين معامل لمعالجة النفايات، بفرزها داخل المعمل، بأن توضع النفايات المخلوطة (العضوية والصلبة معا على طريق متحرك وهناك عمال          فيأخذون منها كل النفايات الصلبة ويتركون العضوية وهذه مهمة ليست سهلة فهناك اللحوم بمختلف أنواعها وهناك حفاضات الكبار والصغار وو…. الخ، والعمال ليسوا عشاقا للبيئة، فقد يتركون أشياء كثيرة لا يجوز تركها، ولهذا فشلت كل المصانع في إعادة التدوير. من أصل أربعين مصنعا لهذا الغرض، توقف ثمانية وثلاثون مع ما يعنيه ذلك من خسارة أن نبني مصنعا ثم نهمله ونتركه ليتقادم ويبلى. الآن دقت ساعة الحقيقة، وعلى الدولة والمجتمع الأهلي أن يتعاونا لمعالجة هذه المشكلة رسميا وشعبيا. فوزارة البيئة عندنا معتبرة كوزارة هامشية، ومعظم الأمور التي نظن أنها من اختصاصها هي ليست كذلك، وإنما هي من اختصاص وزارة الداخلية. ووزارة البيئة مضى عليها عشر سنوات ليس لها ميزانية. فكيف تعمل الوزارة دون ميزانية، ولهذا فإن تحميل وزير البيئة المسؤولية فيه نوع من الإجحاف. الدولة مسؤولة والسكوت عن الفساد مسؤولية الناس الذين سكتوا، والتغاضي عن السرقات جريمة في حق الوطن، وتسليم الأمور إلى البلديات ليس هو الإجراء الأمثل فالبلديات أعجز من أن تعالج نفايات مناطقها دون مؤازرة الدولة وليس لها أي دراية في هذا المجال. الآن وقد “طلعت ريحتنا” جميعا، علينا أن نتعاون وأن نحاسب وأن تكون المحاسبة مستمرة وليست مرحلية وآنية، فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، وعلينا أن نسأل حكامنا ونحاسبهم كيف ينفقون المال العام وعلى ماذا ينفقونه؟ أين يذهبون بأموال الشعب؟ عندما نصل إلى هذا المستوى ونختار الأفضل والأنزه عندئذ تستقيم أمورنا، وقد قيل: “ولكم في الحياة قصاص يا أولي الألباب”.      

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This