يؤثر البابا فرنسيس في كل مرة يتحدث فيها عن تغير المناخ أن يصف الكوكب بـ “بيتنا المشترك”، فالأرض في عرفه ليست دولا واستثمارات، ولا تقاسم نفوذ بين قوى عظمى، وإنما هي ملاذ الإنسان الأول والأخير، حاضره والمستقبل، بعيداً من منظومة مصالح قوضت دعائم هذا “البيت”، وبات مهددا بما استبحنا من قيم، وبما ارتكبت أيدينا من جرائم ومآثم. أطل البابا فرنسيس بالأمس من الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض، مبدياً الهواجس عينها حيال مصير الكوكب، مقدماً جرعة دعم للرئيس الأميركي باراك أوباما بعد إحباط خططه بشأن مشروع قانون لتغير المناخ في الكونغرس، وسط أصوات مشككة بظاهرة الاحتباس الحراري، ولا سيما من بعض قادة الجمهوري، فتوجه إلى أوباما قائلا “أرى أن المبادرة التي اقترحتها بشأن التخفيض من تلوث الهواء أمر مشجع”. وبدا البابا مستشرفاً لواقعٍ ومرتجى، حين اعتبر أن التبدلات المناخية مشكلة لا يمكن تركها لأجيال المستقبل، داعيا إلى الاعتناء بـ “بيتنا المشترك” وبأننا نعيش مرحلة حرجة من التاريخ، واستدرك بأنه ما يزال أمامنا الوقت الكافي لإحداث التغيرات المطلوبة من أجل تحقيق “نمو مستدام ومتكامل، لأننا نعلم أن الأمور يمكن أن تتغيّر، وكان لافتاً للانتباه استحضار البابا بعضا من الإرث الثقافي لأميركا حين أكد أن حلم القس مارتن لوثر كينغ “لا يزال مصدر إلهام لنا جميعاً”، واقتبس عبارة من من خطبة لوثر كينغ الشهيرة “لدي حلم” I Have A Dream. والأهم في هذا السياق أن البابا فرنسيس واءم بين البيئة والتنمية، فرأى أن تغير المناخ يتطلب منا إقرارا جديا ومسؤولا ليس فقط بنوع العالم الذي نتركه لأطفالنا، بل أيضا بملايين الأشخاص الذين يعيشون في ظل نظام غض عنهم الطرف. أما مضمون “الرسالة” الأهم فجاء برمزية أبلغ من الكلمات، حين استقل في واشنطن سيارة صغيرة من نوع “فيات” بعيدا من مظاهر البذخ، لا تستهلك الكثير من الوقود في مقارنة مع السيارات الأميركية الفارهة، متقصدا انتقاد الاقتصاد الرأسمالي الجشع القائم على الاقصاء وعدم والمساواة، ومرات كثيرة انتقد البابا فرنسيس الضرر الواقع على فقراء العالم والبيئة بسبب تجاوزات الرأسمالية. وفي الضفة المقابلة، توالت الانتقادات والمواقف الرافضة لتدخل البابا في قضايا سياسية، حتى أن السيناتور الكاثوليكي الجمهوري بول غوزار Paul Gosar، وهو الذي يعرف عن نفسه بالــ “كاثوليكي الفخور”، أعلن رفضه حضور جسلة الكونغرس حيث سيلقي البابا خطابا تاريخيا، هو أول خطاب على الإطلاق لبابا الكنيسة الكاثوليكية أمام الكونغرس الأميركي، وقال غوزار “إذا كان البابا يقضي معظم وقته للتعبير عن سياسات تغير المناخ الخاطئة فلن أحضر”!  

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This