مع بداية فصل الصيف تذهب العائلات في دمشق إلى المشاتل وبائعي الزهور لشراء النبتات الجميلة لتزين بها حدائقها المنزلية، حتى وإن كان لديها شرفة يمكن أن تغطيها بالورود والزهور ضمن الأحواض. ولكن عند دخولي إلى أحد المشاتل شاهدت العديد من الأكياس البلاستيكية الكبيرة التي تتسع لأكثر من 50 كلغ، وهي مليئة بمخلفات الغابات من أوراق وأغصان غير متخمرة يريد بيعها للمواطنين لأنها عبارة عن (تورب) أو دبال (humus) أو مادة عضوية طبيعية. سألته من أين هذه المخلفات العضوية النظيفة؟ فأجابني أنها من الغابات السورية حيث تتواجد مجموعة من الشبان الذين نتعامل معهم تذهب إلى الغابة وتجرف الطبقة السطحية منها ونحن نشتريها، والحديث في مدينة دمشق، أي تنطلق الشاحنات مسافة أكثر من 350 كلم من اللاذقية حتى تصل إلى دمشق، ونحن نتحدث عن سبب يمكن أن يظنه البعض بسيطاً لكن أن تصل 50 شاحنة إلى دمشق يومياً (حسب البائع)، يعني أن باقي المحافظات الشمالية والوسطى والشرقية تكون قد استلمت مستحقاتها أيضا، أشك بالرقم الذي تحدث عنه لأنه في سنة واحدة يمكن أن تزال هذه الطبقة الدبالية والتي قد تصل تحت غابة الشوح والأرز إلى عمق متر واحد. ما هو الدبال؟ هو مادة عضوية سمراء قاتمة خفيفة الوزن داكنة اللون تميل إلى السواد، تنتج من تحلل المادة العضوية (المخلفات النباتية والفضلات الحيوانية بعد طمرها وتخمرها)، وهو يعمل على تفكيك التربة الطينية الثقيلة وزيادة تهوئتها، كما يغير طبيعة التربة الرملية الخفيفة ويزيد من تماسكها وتحسين قوامها وزيادة العناصر فيها. ليس هذا فقط، بل تشاهد مجموعة من أوراق السرخسيات الكبيرة والتي تتواجد تحت الغابات في المناطق المغطاة الرطبة جداً يضعها (البائع) على قاعدة باقة الورد، ويضع الورود عليها ثم يغطيها بورق بلاستيك ويقدمها للمستهلك. قلنا بسيطة لأن هذه السرخسيات يمكن أن تتكاثر بسرعة وتعيد أو تجدد وجودها لأنها تعيش في مناطق ذات رطوبة جوية وأرضية عالية، علماً بأنها تتواجد على مساحة ضيقة من غابات الفرنلق السورية. واستمتع بالحديث معي لأنه قال أنني أفهم عليه وأخبرني إذا كنت ترغب في باقة أغلى وأجمل يمكن أن أبيعك هذه الباقة، وأستبدل أوراق السرخس بأغصان من نباتات الشوح والأرز  يصل طولها إلى أكثر من 50 سم لأنها تشكل باقة جميلة نتيجة الأوراق الإبرية الزاهية، علما بأن النمو السنوي للشوح والأرز لا يتعدى 10 سم سنوياً، وهي نموات الفروع الحديثة والتي تعطي الشكل الهرمي الجميل لشجرة الشوح والأرز (تشويه شكل الشجرة)، وكما هو معروف فإن الأمطار في المناخ المتوسطي قوية تسقط خلال فترة زمنية قصيرة يمكن أن تسجل 90-95 ملم أمطار في يوم واحد، تستطيع الأشجار مسك حبيبات المطر من خلال انتقالها  من غصن إلى آخر حتى تصل حبة المطر إلى سطح التربة بسرعة خفيفة، تستطيع التربة ذات الطبقة الدبالية أن تمتصها وتغذي الينابيع بدلا من انجرافها السطحي ووصولها إلى البحر. فماذا نعمل إذا كانت الأغصان تقطع والطبقة الدبالية تزاح؟ الأكيد هو الانجراف المائي والهوائي. والمشكلة الأكبر أنك في منطقة رطبة باردة ملائمة للشوح والأرز، فعندما تنجرف التربة والدبال تصبح الأتربة ملائمة لنمو مجتمعات نباتية ثانوية عشبية أقل حماية للتربة، وأقل إنتاجا وتأثيرا في البيئة المحلية ضمن منطقة رطبة جداً، نظراً لعدم قدرة الأشجار (الشوح والأرز) على العيش في هذه الترب السطحية. هذا ولم نتحدث بعد عن الأسباب الرئيسية لتدهور الغابات  المتمثلة بالقطع الجائر وحرائق الغابات المصطنعة والرعي الجائر والتي تتحدث عنه كل الكتب العلمية. ماذا نفعل؟ وهذا السؤال ليس موجها فقط للسلطة التنفيذية المعنية لأن لها قانونها عليها تنفيذه، بل لكل مواطن يعيش على أرض وطنه، هل نكتفي بالتوعية والإعلام أم بالمجتمع المدني وجمعياته، أم بالصلاة في دور العبادة، أو بإقامة المحميات  لتعويض الفاقد، أو تشديد العقوبات التي تصل إلى الإعدام في بعض الحالات مثل (حدوث حريق يموت من خلاله أشخاص)، أو بالبرامج على التلفاز الهادفة، أم بتسليط الأضواء على المؤتمرات البيئية منذ عام 1992 حتى هذا التاريخ؟ هل مبدأ المشاركة الشعبية فعلا هو الحل؟ الجواب عندكم.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This