حبيب معلوف لم تعد أزمة النفايات في لبنان أزمة تقنية وبيئية. هي لم تكن كذلك يوماً، بمعنى ما، إلا انها في الفترة الأخيرة، لم تعد كذلك تقريباً. ولا نعرف بالتالي ما إذا كان هناك من داعٍ بعد لتقييم عمل ما سُمّي «خطة شهيب» ولا اللجنة التي سميت «فنية»، بعد فترة طويلة على انطلاقتها… وتعثّرها. ضاعت المعايير تماماً في ظل الفوضى التي بدأت في السلطة، وطريقة تشكلها وطرق اشتغالها وعدم تحمّل مسؤولياتها… وانتقلت الى طريقة إدارة الأزمة وتشكل لجانها ومكوناتها، فإلى الشارع وحراكه، ثم الى المناطق وخصوصياتها وحساسياتها، الى «الخبراء» ومصالحهم، إلى الإعلام وهوائه وأهوائه… إلى الفوضى في كل مكوّن من مكونات الدولة والمجتمع…الخ كما لم يعد هناك من معنى للحوار في لبنان بين الأطراف المتنازعة أو بين السلطة المركزية وتلك المحلية والمناطق، او بين ما يُسمّى السلطة والحراك… في ظل هذه الفوضى التي نعيشها وفقدان المعايير والهوية. ولعل مسألة فقدان الهوية باتت المحور القاتل في هذه المرحلة الصعبة التي نعيشها. فلا السلطة سلطة ولها شخصية واضحة ومستقلة ومحدّدة ليتم تحميلها المسؤوليات المفترضة ولا للحراك هويته وشخصيته، لكي يستطيع ان يفاوض وان يساهم في إيجاد الحلول والتسويات لتسيير ما يُسمّى «المرفق العام»، وفي أقل تقدير، رفع النفايات من الشوارع. لقد تمّ استسهال الرفض واستخدام كلمة «لا»، وتحطيم أي ثقة بأي شيء، حتى تعمّم الشعور السلبي باتجاه فوضى لا مثيل لها، لن تنتج إلا المزيد من الفوضى والخراب. ولعل بداية حالة اللا ثقة والفوضى هي في مسألة الهوية. فلا أحد «هو» ولا أحد في مكانه ودوره الصحيح. بدأ من تشكيل السلطة في مجلسَي النواب والوزراء الى المجالس المحلية والإدارات، الى الخبراء الذين باتوا يعلمون بكل شيء… الخ. لم يعُد في لبنان «ما هو هو». لم يعد مبدأ الهوية محترماً، الركيزة الأساسية لأي كينونة وكائن، سواء أكان فرداً او وطناً. فكل شخص او مجموعة هو وليس هو في الوقت نفسه! هويات متناقضة وغير مستقرة او مستقيمة حتى تقوم بحوار فاعل أو حتى تصل الى حل قابل للعيش والتطبيق. هكذا ايضاً ضاعت الخطة بين ما هو طارئ وما هو استراتيجي بعد أن ضاعت معايير الفني وغير الفني في هذه اللجنة وفي أي مكان رسمي وأهلي.. وحتى أكاديمي! بعد أن استمعنا واطلعنا على الدراسات التي قدمتها جامعات في مؤتمر سردينيا الدولي منذ أسبوع حول إدارة النفايات، تيقّنّا أكثر من أي يوم مرّ، أن لبنان لا تحكمه اية معايير فنية أو علمية أو بيئية… وقد ترك لكل مستقوٍ بكل الأساليب غير العلمية والمنطقية ولأصحاب الأصوات العالية، لمجرد أنها عالية فقط. عندما تبحث دول العالم في قضية إدارة النفايات، تبحث في المكوّنات، في الطبيعة الجغرافية والجيولوجية، في التوزيع السكاني، في النظام الإنتاجي والاستهلاكي في الوضع المعيشي والاقتصادي ومستوى الدخل، في مدى التقدم العلمي والتقني للبلدان… ولكن لا أحد يربط موضوع النفايات بالكرامات! الموضوع الأخلاقي موجود ضمناً في أي استراتيجية دولية لحل مثل هذه المشكلات، ليس بالحدّ الذي نطمح إليه، إنما بحدود تستدعي التضامن المقبول لحل الأزمات، بكون كل إنسان (فرد) مستهلك، مسؤول، عن نفسه وعن الآخر، عن نفاياته وعن نفايات الآخرين. وهذا ما كنا نطلق عليه دائماً مبدأ «المسؤولية البيئية». هنا وصلت لغة المزايدات والتشكيك إلى حدود رفض رائحة نفايات أي آخر! فما معنى رفع يافطات في مناطق لديها الكثير من المكبات العشوائية تحت عنوان: «لسنا مزبلة»؟! انطلاقاً من أية أخلاقيات نقيّم؟ في الفلسفة البيئية «كل فرد هو بيئة الآخر»، فإما أن يتضامن الجميع لحل المشاكل الفردية والمشتركة في طبيعتها، او يهلك الجميع، على المدى القريب او البعيد. قد يكون هناك مآخذ على اللجنة الفنية ورئيسها، ولكن يجب أن يكون هناك معايير للقبول أو الرفض، منطقية وبيئية مقبولة. فهناك كارثة الآن وهي تكبر يوماً بعد يوم. لناحية الخطط المقترحة (الطارئة والاستراتيجية)، يفترض أن يكون المعيار لتقييم الحلول، اعتماد الحل الأسرع والأقل ضرراً لحالة الطوارئ. وليس هناك معيار لاختيار «الأقل ضرراً»، الا اعتماد المواقع المتضرّرة أصلاً، أي التي يوجد فيها مكبات بحاجة الى معالجة او مطامر يمكن أن تستوعب أكثر. ويفترض أن يصبح هذا المنطق أكثر قبولاً إذا ما تمّ تطعيم الإجراءات الطارئة بتلك الاستراتيجية، كالبدء باتخاذ إجراءات التخفيف مع إجراءات الفرز من المصدر بقدر الإمكان… واستمرار الاستنفار الشعبي والأهلي للمراقبة والضغط باتجاه ترجمة المبادئ والاستراتيجيات البيئية في قوانين ومراسيم تنظيمية أكثر استدامة. هذا هو المعيار شبه الوحيد للتقدّم بسرعة الآن لإنقاذ الوضع المتفاقم، والباقي تفاصيل، نعود إليها لاحقاً.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This