بالأمس، عندما بدأت الأمطار تهطل بغزارة، كان هاجس الناس الذين قضّت مضاجعهم المخاوف من هذه اللحظات المأساوية، ومن خطر منتظر: ماذا سيحلّ بالنفايات المرميّة بطريقة لا يقرها عقل ولا ضمير ولا ذرة تحمل مسؤولية؟ وكان المشهد المأساوي الذي سيبقى في وجدان الجيل الحالي وكل شرائح مجتمعنا ومن رأى هذا المشهد على الفضائيات وفي كل أرجاء الدنيا! فالعالم أصبح قرية صغيرة عبر وسائط الاتصال الحديثة ووسائل التواصل الإجتماعي والفضائيات! آلاف أكياس النفايات وهي تسبح فوق نهر يكتسح كل شيء، منظر هوليودي بامتياز يعجز هيتشكوك ودي لورنتيس عن تحقيقه. هو جزء من فيلم رعب أبطاله المسؤولون والشعب والبطر واللامسؤولية والشرخ العمودي بين الأغنياء والفقراء، وانسحاق الطبقة الوسطى، فيما لأغلبية الساحقة من المسؤولين صح فيهم القول: ومن بعدي الطوفان، أو هو نيرون جديد من نوع آخر نقدمه كنموذج للعالم: لبنان الحضارة سقط من مصدّر للحرف إلى مستنقع للنفايات، وهذا المنظر لم نره على مستوى الكون! منذ 1712015 حتى 1772015 موعد اقفال مطمر الناعمة، مسافة زمنيّة تربو على الستة شهور، كانت كافية أمام مطلق حكومة مسؤولة أن تجترح الحلّ الجذري لملفّ من المعيب تصوّر العجز عن حلّه! هناك أجيال ستبصق على صورنا وعلى أسمائنا وعلى كل ما يمت لهذه المرحلة بصلة! بالأمس طوفان آلاف الأكياس فوق نهر من مياه الأمطار كشف ورقة التوت التي كانت تغطي عورة السلطة، بالأمس كان حلم ينهار هو حلم الشعب، كل شيء تصوّرناه إلا أن يصل الإستهتار بعدم استباق هذه الكارثة البيئيّة بامتياز! بالأمس، كان المنظر المرعب الذي يخفي خلفه نفسية التقاعس والطريقة غير الحضارية وغير العلمية وهي وفي كل الملفات البيئية معالجة النتائج تحت ضغط أخطارها، بدون العودة إلى ارساء خطط طوارئية واستراتيجيات تقوم بها كل دول العالم المتقدم وغير المتقدم، فليس من البطولة بمكان إستباق ملف النفايات قبل أن يتعملق ويتضخم ويُقزِّم معه المسؤولين؟ وليس من البطولة أن ننفذ خطة طوارئية لاستباق الحرائق وهذا ليس خروجاً عن موضوعنا، لكن دائماً نعالج النتائج تحت ضغط أخطارها. للمعلومة فقط هناك حوالي 2000 مكب “ترصع” الوديان والجبال والوهاد والطرق والمدن والقرى من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال وخطرها مزدوج، وبإيجاز: اذا كانت البيئة ماء وهواء وتربة، فهذا الثالوث تعرض وعلى مدى أربعة أشهر إلى تلوث حقيقي وعلى مستوى الوطن كله، وأصبحت النفايات الملوث الرئيسي للهواء وقبل النقليات وتصبح أشد خطراً عند حرقها وتسببها بشتى أنواع السرطانات، والمياه الجوفية مهددة بالتلوث وكذلك التربة، وهناك خطر التفكك وفقدان كل خصائصها عدا عن الأمراض والأخطار البيئية. مثل صغير مرعب ومخيف: إذا ترك زوج من الفئران على مكب نفايات كي يتزاوج فيصبح خلال ستة شهور ستمئة ألف فأر، وإذا ترك زوج من الذباب يصبح بعد ستة شهور 3 بليون ذبابة تحمل 2 بليون ميكروب و 43 مرضاً تنقله ليلاً نهار لكل شيء تلمسه! نعم هي أرقام مخيفة ولكن حتى نتحسس جميعاً أخطار هذه النفايات. بالأمس، أغرق نهر النفايات كل الضمائر الميتة وكانت حفلة تعرٍّ حقيقية لواقع حكومي مزرٍ، وكل من اشتغل سياسياً في هذا الملف سيأتي يوم من الأيام ويحترق ببعدين: ضميرياً أمام خالقه وشعبياً أمام ظلمه للناس. أخيراً تكلمنا كثيراً عن الحلول ووضعناها أمام المسؤولين وناشدناهم عبر المرئي والمقروء والمسموع، ولن نكرر أنفسنا فلم نخترع الذرة، ودول العالم أجمع تتبنّى الحل القدري الأوحد: الفرز من المصدر، أما الآلية فموجودة ولكن الآذان مسدودة! بالأمس، نهر النفايات، هولاكو مرّ من هنا، هولاكو الجهل، هولاكو الإستهتار، هولاكو البطر وهولاكو من نوع جديد ومن ورق ستحطمه يوماً من الأيام سواعد كل المعذبين في وطني.    

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This