لا بد في البداية من التأكيد أن نقاشنا للمحارق، وما تسببه من تلوث خطير وتهديد كبير للصحة البشرية، وخصوصا محرقة “ضهور الشوير”، لم يتوجه بالشخصي لأحد.
1-عدد من الأسئلة تطرح نفسها مع تطورات مشروع محرقة “ضهور الشوير”، الذي يصر الوزير فادي عبود على تسميتها “مشروع التفكك الحراري”، وهي:
أ- هل دخلت “المحرقة” إلى لبنان عبر أجهزة الجمارك ببيان جمركي لمحرقة نفايات، أم لتجهيز يحمل إسما آخر، ولاستعمالات
ب- هل حصلت منشأتكم – “المحرقة” على التراخيص القانونية من السلطات المختصة بإصدار هذا النوع من التراخيص، ووفق الإجراءات القانونية المعمول بها، حسب القوانين والأنظمة المرعية الإجراء في لبنان؟ على حد علمنا أن ترخيصا من هذا النوع لم يتم الحصول عليه بعد.
ت- هل تم وضع دراسة لتقييم الأثر البيئي لها وفق المرسوم الخاص بهذا الأمر؟ وهل تتضمن الدراسة فصلا عن استشارة الجمهور المتأثر بالمشروع، أي أهالي المنطقة؟ وهل حصلت على موافقة وزارة البيئة عليها وفق الآلية التي ينص عنها المرسوم؟
2- نحن لم نتناول أحدا على المستوى الشخصي، ونحن نحترم كل الناس، بمن فيهم من نختلف جذريا معهم بالرأي.
3- تقومون بحصر الخيارات بشأن إدارة النفايات بـ”الطمر” أو “الحرق” أو “الوصول إلى تدوير كامل”. نحن نعتبر أن الإدارة السليمة بيئيا للنفايات هي “الإدارة المتكاملة” التي تتضمن: “التخفيف، الفرز الآلي ومن المصدر، التدوير، التسبيخ أو الهضم اللاهوائي، والتخلص من المتبقيات بالطرق الآمنة بيئيا”. وليس “التدوير الكامل”، الذي تؤكدون أنه لا يوجد بلد واحد على الكرة الأرضية وصل إليه، ونحن لم نعتبر يوما أنه الحل المطلوب تنفيذه الآن، ولكنه يمكن أن يكون هدفا بعيد المدى عندنا كما لدى كل بلدان العالم. ونشير إلى أن هناك فرقا كبيرا بين “الإدارة المتكاملة” التي نتبناها، وبين “التدوير الكامل” الذي تتحدثون عنه.
4-أنتم تطرحون مقولة “التدوير الكامل” وتمعنون بمناقشتها بهدف إسقاطها، وهي ليست الخطة المتكاملة التي ندعو إليها، بل هدفا بعيدا تطمح إليه كل الإدارات السليمة بيئيا للنفايات في العالم.
5-تقولون أن توقيف عمليات الحرق في العمروسية والكرنتينا لأنها من جيل قديم غير مجهز بنظام تنظيف الغازات أي ” التفكك الحراري”. إذن نفهم منكم أنكم تعتبرون أن “التفكك الحراري” نظاما لتنظيف الغازات الناتجة عن عملية الحرق، وهذا غير صحيح على الإطلاق. فالتفكك الحراري هو تقنية الحرق نفسها، التي تفكك المادة عبر حرقها على درجات حرارة مرتفعة، أما نظام تنظيف الغازات، هو مجموعة من التجهيزات التي تضاف إلى نظام الحرق المكون من غرفتي الحرق الأولى والثانية، لالتقاط الجزيئات الصغيرة ومتناهية الصغر المتولدة عن الحرق، أي نظاما من الفلاتر لالتقاط هذه الجزيئات المسماة في الأدبيات العلمية “الرماد المتطاير” Fly Ash، وهي لمعلوماتكم مصنفة نفاية خطرة، وهي عالية السمية والخطورة على الصحة البشرية. ويتضمن نظام تنظيف الغازات أيضا، تجهيزات لغسل الغازات وتعديلها، أي نظاما من “أبراج غسل الغازات” scrubbers.
6- نسمعكم تكثرون من تكرار مقولة أن محرقتكم من الجيل الرابع، والحقيقة أن مصطلح “الجيل الرابع” لا يدل على مستوى معين من تقنية الحرق، بل على أن هذا الجيل من المحارق، مزود بالإضافة إلى نظام تنظيف الغازات من فلاتر وأبراج غسيل، بنظام لاسترداد الطاقة والمواد. أي بنظام يحول الطاقة المتولدة عن الحرق إلى شكل من الطاقة قابل للاستخدام، إما بالماء الساخن، الذي يمكن أن يوزع على الاهالي في المنطقة، أو بإنتاج الطاقة الكهربائية من خلال مراجل بخار الماء، التي تحرك “توربينات” لإنتاج الكهرباء، بنفس طريقة إنتاج الكهرباء في المعامل الحرارية (معملي الذوق والجية مثلا).
7- تتحدثون عن المطامر ومساوئها، لكي تبرروا الحرق كبديل أقل سوءا، وهذا أيضا غير صحيح، إذ أن الكلفة البيئية والصحية للمحارق عالية جدا، على الرغم من أنها تسبب بتلوث غير مرئي بالعين المجردة، بل يحتاج كشفه وتقييمه إلى قدرات مخبرية وتحليلية عالية الدقة والتقدم، وهي ليست متوفرة بالكامل في لبنان.
8- تفترضون أننا لم نطلع على محرقتكم وعلى تجهيزاتها، وهذا أيضا غير صحيح، فمواصفات المحرقة موجودة على موقع الشركة المصنعة inciner8.com. ويبدو أنكم لم تقوموا بزيارة هذا الموقع لتتعرفوا على المستويات الثلاثة من أنظمة مكافحة التلوث الناتج عن المحرقة، التي تنتجها وتعرضها الشركة، وهي المستوى الأول الأساسي، والثاني المتقدم، والثالث هو النظام واسع النطاق. وهذه الأنظمة الثلاثة تقوم بالضبط بما سبق وتحدثنا عنه من التقاط جزيئات الرماد المتطاير عبر فلاتر عالية الفعالية، وأبراج غسيل الغازات وتعديلها الكيميائي، وغسل الرماد المتبقي ومعالجته، وكذلك نظام لاسترداد الطاقة.
9- قلنا ان اتفاقية “ستوكهولم” بشأن الملوثات العضوية الثابتة تعتبر أن محارق النفايات مصدرا رئيسيا للتلوث بملوثات كيميائية خطيرة على الصحة البشرية، وهذا صحيح. وكذلك اتفاقية ميناماتا بشأن الزئبق تعتبر أن محارق النفايات مصدرا رئيسيا لانبعاثات الزئبق، المعدن الثقيل عالي السمية.
10- تتحدثون عن ” التفكك الحراري” وكأنه نظام لمكافحة التلوث، وهو ليس كذلك. بل هو تقنية حرق تفكك المواد حراريا على درجات حرارة مرتفعة. أما مكافحة التلوث الناتج عن المحرقة يتطلب وضع أنظمة لالتقاط “الرماد المتطاير” والجزيئات الصغيرة ومتناهية الصغر (الفلاتر)، وكذلك انظمة معالجة الغازات وغسلها كيميائيا بواسطة أبراج لغسل الغازات.
11- من المفيد الاطلاع على التقرير الطبي الرابع الصادر عن جمعية الطب البيئي في بريطانيا، وهو من أهم التقارير التي تعرض مخاطر محارق النفايات على الصحة البشرية.
د.ناجي قديح مستشار موقع greenarea.info