في 30 ايلول 2015 رفعت الحكومة اللبنانية الى الأمانة العامة لإتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وثيقة بعنوان “المساهمة المحددة وطنياً لمكافحة تغير المناخ“. فما هي هذه الوثيقة التي لم تعط الاهتمام الكافي من قبل الاعلام ومن قبل الرأي العام؟ رغم انها تعتبر من اهم الوثائق الرسمية المرتبطة بهذه القضية التي تضج بها اروقة الامم المتحدة، والتي ستشهد الحدث الاهم، وهو مؤتمر الاطراف COP 21 لاتفاقية الامم المتحدة الاطارية بشأن تغير المناخ في باريس ما بين 30 تشرين الثاني و 11 كانون الاول 2015 .
وينفذ لبنان منذ أن أبرم اتفاقية الامم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ في كانون الاول 1994 نشاطات عديدة للتقيّد بأحكام هذه الاتفاقيّة عن طريق هبات من مرفق البيئة العالمي والاتحاد الأوروبي والحكومة الألمانية، التزم ضمن إطار المساهمة المحدّدة وطنياً بتخفيض انبعاثاته بنسبة 15% بحلول العام 2030، على أن تبلغ هذه النسبة 30% في حال توفر الدعم الدولي، علماً أنّ هذه المساهمة قد حدّدت أهداف التكيف التي تشكل أولوية للبنان.
وتعهدت الدول الصناعية في مؤتمر المناخ في كوبنهاغن في العام 2009، بتوفير 30 مليار دولار من المساعدات الجديدة، وذلك لتمويل آثار التغيير المناخي في العالم النامي على مدى الفترة بين العامين 2010 و2012، على أن ترفع حجم هذا التمويل إلى 100 مليار دولار سنوياً بحلول العام 2020. ولقد انشأ لهذه الغاية الصندوق الاخضر للمناخ.
ويؤكد المستشار في الصندوق دافيد غرايك في حديث لـ GreenArea ان اساهمات الدول الصناعية في هذا الصندوق لن يتم توزيعها على قاعد حصة لكل دولة نامية، بل على قاعدة التمييز في تقديم المشاريع التي تحتاج الى تمويل، بمعنى ان الدولة الانشط والاكثر جدية هي التي ستحصل على اولوية التمويل.
وبناء عليه تبدو فرصة لبنان للاستفادة من تمويل لمشاريع التكييف مع تغير المناخ عبر هذا الصندوق، صعبة المنال، في ظل عدم انتظام المؤسسات الدستورية، اضافة الى ان مبادرات القطاع الخاص لا تزال ضعيفة، بالاستناد الى عدم استفادة سوى مشروع واحد من آلية التنمية النظيفة التي اقرت ضمن بروتوكول كويوتو.
ومن المتوقع ان يشارك وفد رسمي برئاسة رئيس مجلس الوزراء تمام سلام في هذا مؤتمر باريس على رأس وفد يضم ممثلين عن عدد من الوزارات والجمعيات الاهلية والقطاع الخاص.
واكمل لبنان تحديث جردته الوطنية لانبعاثات الغازات الدفيئة وقدّمها الى اتفاقية الامم المتحدة الاطارية بشأن تغير المناخ ضمن تقرير تحت عنوان “تقرير لبنان الاول المحدث لفترة السنتين“، بالإضافة إلى عدد من الدراسات القطاعية ذات الصلة التي يمكن الاطّلاع عليها على الصفحة الالكترونية لمشروع تغير المناخ المنفذ من قبل برنامج الامم المتحدة الانمائي في وزارة البيئة www.moe.gov.lb/climatechange
ومن المبادرات التي ينفذها المشروع، انشطة تجميع مياه الامطار من سطوح البيوت البلاستيكية المستعملة في الزراعة، وذلك للتصدي لمشكلة شح المياه التي يزيد تغير المناخ من تفاقمها. وبعد الاعداد لخطة العمل الوطنية لكفاءة الطاقة لفترة ٢٠١١– ٢٠١٥، حدّث لبنان خطة العمل الوطنية لكفاءة الطاقة لفترة ٢٠١٦– ٢٠٢٠، واعد خطة العمل الوطنية للطاقة المتجددة لفترة ٢٠١٦– ٢٠٢٠، بغية تحقيق هدف الوصول الى نسبة ١٢ بالمائة طاقة متجددة بحلول ٢٠٢٠، وهي النسبة التي سبق والتزم بها لبنان في ورقة سياسة قطاع الكهرباء لعام ٢٠١٠.
ويرسي الاتفاق المبرم في ليما خلال المؤتمر العشرين للامم المتحدة حول المناخ قواعد الاتفاق المقبل المتعدد الاطراف الذي سيبرم في نهاية 2015 في باريس للحد من ظاهرة الاحتباس. ومن ابرز نقاط هذا الاتفاق تعهد جميع الدول الاطراف، وبينها لبنان، بان يرفع بحلول اذار/مارس 2015 “التعهدات بشأن خفض انبعاثات غازات الدفيئة او ما يعرف بـ Intended Nationally Determined Contribution ، ويمكن ان تشمل هذه التعهدات معلومات عن السنة المرجعية وفترة التعهد والجدول الزمني للتطبيق وطريقة الاحتساب وخطة عمل وفقا للقطاعات. وستجمع هذه المعلومات من قبل الامانة العامة التي ستعد خلاصة للاول من تشرين الثاني/نوفمبر 2015 لمقارنة اجمالي الجهود المقررة مقارنة مع هدف حد ظاهرة الاحتباس بدرجتين مئويتين.
ومن المفترض ان تعمل الحكومات بوتيرة سريعة لوضع اتفاق عالمي جديد بشأن تغير المناخ يغطي جميع البلدان اعتبارا من عام 2020، والذي سيُعتمد بحلول عام 2015 في باريس.
وتركز التقارير العلمية على ضرورة أن تبلغ الانبعاثات العالمية ذروتها عام 2015، وتعود مستوياتها عام 2020 إلى ما كانت عليه عام 1990، ومن ثم تعود وتنخفض بنسبة 80% من هذا المعدل عام 2050.
وقبل ايام أعلنت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، في تقريرها السنوي، أن مستوى تركيز الغازات المسببة لمفعول الدفيئة بلغ معدلات قياسية جديدة في العام 2014. وقال مدير المنظمة ميشال جارو “في كل سنة نسجل رقما قياسيا جديدا لمستويات تركيز غازات الدفيئة“. ويظهر التقرير أن تركيز ثاني أكسيد الكربون ارتفع بواقع 397.7 جزءا في المليون في الغلاف الجوي العام المنصرم. وفي النصف الشمالي من الكرة الأرضية، تخطت مستويات تركيز ثاني أكسيد الكربون عتبة 400 جزء في المليون خلال الربيع، وهي الفترة التي تكون فيها كميات هذا الغاز هي الأكبر.
ويقول خبراء المناخ إنه بات من شبه المستحيل الحفاظ على درجة حرارة الأرض، فالوقوف عند ارتفاع يصل في حدّه الأقصى إلى درجتين مئويتين، يتطلب إعادة تركيز الغازات الدفينة على ما يعادل 350 جزءاً في المليون من ثاني أكسيد الكربون، وهو هدف فشلت حتى اللحظة جميع السيناريوهات التي تطرح داخل أروقة الأمم المتحدة في الوصول اليه.