جاءني صوت أخي من ايطاليا “عم بِتْضحكوا العالم عليكم”! وران صمت طويل على الهاتف، وكانت لحظات قاسية وصعبة، لا بل صادمة، صمت وثقه الأثير بين لبنان وايطاليا! من المريب أن يسيطر الصمت على ملف النفايات، ويتعجب المواطن العادي من تقاعس بعض المسؤولين، فيما آلاف الأطنان تتراكم يومياً دون معالجة وبتسيب كاملين، وبالأرقام، فإن الانتاج اليومي الذي كان يذهب إلى “مطمر الناعمة” يناهز ثلاثة آلاف طن يومياً، يشكل انتاجية منطقة بيروت الكبرى وبعض أنحاء الجبل، وكل ذلك مبني على انتاجية مدروسة للفرد من النفايات يومياً قامت بها وزارة البيئة منذ عام 1998 وكان حوالي الكيلوغرام الواحد، والفساد الذي رافق مطمر الناعمة وأتخمه بعشرين مليون طن، هو نفسه يتمدّد ليطاول مسألة تصدير النفايات إلى الخارج، بعد أن تعقدت الأمور إلى حدّ لا يحتمل، وأقل ما يقال فيه: الفساد السياسي! أي عاقل يصدّق أن يتحول ملف المطامر إلى قضية مذهبية بامتياز وطائفية بامتياز! مع العلم أن البيئة وقوانينها وتطبيقات هذه القوانين لا تخضع في البلاد الغنية والنامية إلا إلى معايير تقييم الأثر البيئي، فإذا بنا في لبنان ننتقل بقدرة قادر إلى مطامر طائفية لا علاقة لها بالمعايير البيئية، وغرق الوطن في نفاياته وفي انانية القاعدين على كراسيهم، وأكثرهم يدّعي العفة وهم مصابون بداء الخوف من الشرفاء ومن البيئيين “الذين ليس على صدورهم قميص”. منذ ثلاثة اسابيع زاد حجم وكميات النفايات حوالي ثمانين ألف طن، “تُرصّع” الوديان والجبال والتلال والأنهر، وتعبث بثالوث البيئة الذهبي: الماء التربة والهواء، فيما تعيدنا المكبات إلى القرون الوسطى من حيث خطر الاكتواء الجدي بأمراض نسيها العالم المتحضر، مثل الكوليرا، وبخطر هجوم ملايين الفئران ومليارات الذباب حاملة الأمراض إذا بقي الحال على ما هو عليه، وأخطر ما في هذا الملف الشتاء والأمطار وهناك الطامة الكبرى. ومع وصولنا إلى حكاية تصدير النفايات، يبدو وكأننا أمام مسرحية هزلية تثير السخرية، فإذا كانت الخضار والفاكهة والإنتاج الزراعي اللبناني يقابل برفض استقباله، فكيف بالنفايات؟ وهناك اتفاقية بازل التي وقعها لبنان عام 1989 إلى جانب 174 دولة، وهذه الاتفاقية تُخضع عملية تصدير نفايات من بلد إلى آخر إلى مجموعة شروط واضحة وقاطعة وصريحة، وتشترط أن يتم تصنيف النفايات وتحديد الفئات المكوّنة منها، حسب لوائح ومعايير وبنود الاتفاقية، وبمجرّد البحث في التصدير نكون قد دخلنا بإرادتنا بهذا الملف إلى جحيم القوانين العالمية وتناقض هذه القوانين مع الفوضى التي تسود ادارتنا لهذا الملف. عندما تدعو هذه الاتفاقية إلى تصنيف هذه النفايات، هذا يعني فرزها بين مواد صلبة ناشفة مثل البلاستيك والزجاج والحديد والكرتون، ومواد رطبة (عضوية)، والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تريدون منا أن نفرز ونصدر وندفع مبالغ خيالية على الطن الواحد، وقد قيل أنّه يناهز المئتي دولار أميركي، ولا تريدون أن تفرزوا فوراً وبيع هذه المواد إلى مصانع التدوير التي تستقبل كل أصناف المواد الصلبة والتي تشكل حوالي 50 بالمئة منها، وتصبح المشكلة المؤقتة مشكلة نصف النفايات، والمبالغ التي تجنيها الدولة من بيع المفروز إلى المصانع المحلية قادرة على شراء وإقامة معامل مؤقتة للفرز، زيادة على المصانع الموجودة كمرحلة انتقالية إلى المرحلة المستدامة بالفرز من المصدر، والمأساة أننا لن نتعجب أن يصل “دلع” بعض المسؤولين إلى التصدير على أساس أن هذا الملف مثل كل الملفات بلا حسيبٍ أو رقيب، وهذا الملف يُسيل اللعاب والفاغرون أفواههم كثر! عندما تتكلم اتفاقية بازل واستحالة تصدير النفايات الخطيرة الحاملة للاشعاعات، يتبدى سؤال بديهي، من الذي يضمن عدم وجود هذه المواد، وهي موجودة أصلاً في النفايات الطبية؟ فلتكن لديه الجرأة والقول أن لا خوف من هذه المسألة! لا يا سادة الخوف كل الخوف أن تتحول نقطة الزئبق لتلوث ملايين الأمتار المكعبة من المياه، وهكذا المواد الاشعاعية، وإذا – لا سمح الله – أخذ هذا الملف طريقه إلى التنفيذ واتخذ قرارٌ بتصدير النفايات، وعند وصول هذه النفايات إلى حدود الدول المستوردة فمجرّد رفضها الجريمة تصبح دولية ومجلجلة، ونحن ندق ناقوس الخطر. أما المضحك المبكي فعندما يقولون سنأتي بمصنع يعلب هذه النفايات حتى بالسائل الذي تحمله قبل تصديرها، هو الغرق في شبر مياه، أين المسؤولون يجترحون الحل المؤقت والطويل الأمد؟ رجاء انهضوا من سباتكم فالمانيا وفرنسا والسويد حاليا لديهم من المشاكل مع الارهاب ما يكفيهم، وبادروا فوراً إلى وضع الحلول وتطبيقها رحمة أولاً بالانسان، وثانياً بالأرض والبيئة وثالثاً بخطر التعرض لامراض تعيدنا إلى القرون الوسطى. نحن ننبه والمياه الجوفية تنبه وكل مخلوق عنده ذرة عقل ينبه… رب قائل معكم كل الحق ما هو الحل؟ نجيب بثقة تجربة جمعيتنا تربو على الربع قرن، وهم يصمون آذانهم وسنعرض حلنا على الملأ في مكاشفة تضع النقاط على الحروف وبالعلم وبالأرقام: الحل بين أيدينا ولكن تخلّوا عن سياسة الترومواي. من السخرية والألم أن الناس المتحضرين في الخارج يفرزون النفايات بينما في لبنان النفايات تفرز الناس. *رئيس جمعية طبيعة بلا حدود  

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This