فرضت مشكلة “التغير المناخي” نفسها في السنوات الاخيرة بنداً رئيسيا على مستوى العالم، وبعيداً من اعادة تكرار تداعيات تلك الازمة على التنوع البيولوجي والحياة البيئية بشكل عام، فضلاً عن عرض نتائج واضحة، من احتباس حراري مروراً بانقراض انواع من الحيوانات، وصولاً الى تغيّر في الفصول وذوبان جليد القطبين، تقدم أستاذ في كلية علم الحشرات في “جامعة ولاية أريزونا” غوغي ديفيدوفيتس باقتراح محاولة تصور ما سيحدث لهذا العالم في حال عدم وجود الحشرات، فكيف ستكون الحياة البشرية؟ كفكرة اولية، سيحبّذ الانسان اختفاء “البعوض” او “البرغش”، والتنعّم بليالي نوم مريحة، كما انه قد يتحمّس لفكرة عدم الاضطرار لاستعمال المبيدات الحشرية ولا حتى الزراعية، فضلاً عن امتنانه بالتنزه في الطبيعة وتناول الطعام على ضفاف الانهر دون ان يهاجمه الذباب والنحل لينغّص عليه. هي ايجابيات؟ ربما، لكن الاكيد ان السلبيات قد تفوق بأضعاف بساطة تلك المميزات، فالواقع أن لا حياة ولا استمرارية بشرية في ظل غياب الحشرات! في حديث لموقع greenarea.info، تشدد الباحثة في علم الحشرات الدكتور خزامى كنيعو على فكرة شبه انعدام الحياة البشرية في ظل غياب الحشرات لاسباب عدة اولها، ان الانسان سيواجه خطر المجاعة، وثانيها بقاء جيف الحيوانات والجثث على وجه الأرض دون أن تتحلّل! المجاعة بالمرصاد تشير كنيعو الى أن “80 بالمئة من النباتات هي زهرية تتكاثر عن طريق الحشرات التي تقدّر قيمة خدماتها بما يفوق الـ 20 بليون دولار وخصوصاً النحل، الذباب، والفراشات. وفي حين ان الانسان يحصل على معظم المواد الغذائية من النباتات الزهرية، فالمجاعة ستكون له بالمرصاد لا محال”. في هذا السياق، تتطرق كنيعو الى انواع الاشجار التي ستتعرض للاندثار “واهمها تلك المثمرة كالتفاح، المشمش، البلح، الخيار، البندورة، الكوسا، الشاي، البن وكل انواع الحمضيات”. اشارة سلبية أخرى ترصدها كنيعو تتلخّص “بدور الحشرات في التخلص من مخلّفات الحيوانات وجيفها، من النبات الميت وجثث الانسان، واهم الحشرات في هذا المجال، الخنافس او ما يعرف بخنفساء الروث اي الـ dung beetle التي تقطّع مخلفات الحيوانات الى قطع تغلّفها بالتراب على شكل كرة وتدفنها كي تضع بيضها فيه، قبل ان يأتي الذباب ليحوم فوق الجيف والروائح النتنة”. قصة واقعية تترجم هذه الحقيقة، تعود الى عهد مجيء الاوروبيين الى قارة استراليا، مع قطيع من البقر والخواريف غير المتواجد اساسا في تلك القارة. وفي حين نشروها في البراري، لاحظوا تكاثر البراز والحشرات. فأتوا بالذباب من اوروبا، الا ان الامر ازداد سوءا الى ان اكتشفوا ان السبب هو غياب الخنفساء التي هي اسرع من الذباب في الوصول الى الروث، وشرّحوا دورها فتوصلوا الى النتيجة الآنف ذكرها. وكما هناك حشرات تقضي على براز الحيوانات، كذلك هناك أخرى تتخلص من النباتات الميتة لتفرزها غذاءً للارض تماما كدودة الارض، ومن دون تلك الحشرات فإن الارض ستتحول الى كومة من النفايات. الامر نفسه ينطبق بحسب كنيعو على حشرات يقتصر دورها الرئيسي في ان تتخلص من جيف الحيوانات كالفئران مثلاً، واهمها: “خنفساء الجيف” اي الـ carrion beetle التي تشتم رائحة الموت فتأتي مع زوجها لسحب الجيفة، خلع الجلد والعظام منها، ولفّ لحمها لوضعه تحت التراب والاباضة فيه”. في هذا الشرح، لخّصت كنيعو لكل حشرة دورها، وركّزت على اول سببين رئيسيين لفناء الحياة البشرية مع انعدام الحشرات عن الارض. اسباب غياب الحياة لانعدام الحشرات عديدة، وقد استطردت كنيعو في هذا السياق للحديث عن ” كون الحشرات الطعام الاساسي للحيوانات المائية والبرية، كالـmosquito larvae او يرقات البعوض التي تشكل الغذاء الاساسي للضفادع والسمك. اما برياً، فمعظم العصافير والوطاويط تأكل الحشرات، كما يفعل العنكبوت والعقارب”. في هذا السياق، وفي حين يمكن لبعض الناس ان يمتعض من الموضوع، الا ان هناك البعض الآخر منها في دول محددة، ممن يستعين بالحشرات في الاطباق الاساسية على اعتبار انها غنية بالبروتين، كالجراد في السعودية ودودة الفراشة في الصين. منتجات طبيعية تجميلية وطبية في اطار آخر، تطرقت كنيعو الى فوائد مستخرجات الحشرات، او ما يسمى بالمنتجات، “كالعسل المنتج من النحل والذي فيه من الفوائد الغذائية التي لا تحصى ولا تعد، تماماً كدودة القز التي تنتج الحرير”. الشموع، هي منتج من منتجات النحل الصحية التي لا دخان لها، وبالتالي لا ضرر لها بيئياً، فضلاً عن استخراج المنتجات التجميلية منه كأدوية الشفاه المتشققة وعلاجات الاظافر وغيرها. لا يقتصر دور الحشرات على الطعام، بل يتخطاه ليطال “الوان الصبغات الطبيعية التي يتم استخراجها من حشرة الخنفساء القرمزية او الـ cochineal التي تدخل في كافة الوان الثياب او المستحضرات التجميلية”. طبياً، تحدثت كنيعو عن حشرة الـ blister beetle التي “تستخرج منها مادة طبية تستعمل في علاج بعض انواع امراض المسالك البولية، فضلاً عن استهلاكها بكميات محددة طبعاً في الطب الصيني، اما سم النحل، فيتم استعماله بشكل مخفف لعلاج كافة انواع آلام الظهر والروماتيزم”. نوع آخر من المراهم تم اكتشافه خلال الحرب العالمية الاولى، يتم استخراجه اليوم من ذبابة الـ blow fly، التي تأكل اللحم الميت وتفرز مادة الـ Allantoin التي تساعد الجرح على الاندمال بسرعة. وقد نوّهت كنيعو الى ان هذه المادة غالباً ما تكون موجودة في كافة المراهم العلاجية اما بشكل كيميائي او طبيعي. الديكور… من الفراشات رسمت الحشرات بشكل او بآخر تطور البشرية، ففي مجال الفن، تحدثت كنيعو عن “دور كبير لالوان الحشرات المتمازجة في اضفاء الرونق والتجدد لعمل المصممين، فضلاً عن ان مصممين استوحوا من اشكال تلك الحشرات لهندسة ثيابهم او جواهرهم”. الدور الجنائي للحشرات! في سياق أخير، وفي تعدادها لابرز الاسباب الداعية للتخوّف من عالم دون حشرات، تحدثت كنيعو “عن دور للحشرات في البحث الجنائي”، اذ انه في بلاد مثل اميركا، حيث تكثر الجرائم، يمكن للمحققين ان يدركوا توقيت الجريمة بسبب ديدان الذباب التي تأكل الجسم الميت، والمرحلة التي وصلت اليها في النمو”. جوع، انتشار للنفايات والجيف، حيوانات منقرضة، هكذا سيكون المشهد بعد فترة من حياة خالية من الحشرات، والتغير المناخي هو المسبب الاول والأخير، فهل تتخيّلون نهاية البشرية؟ مع هذا لن تعني هذه الفوائد شيئا للبشرية لأنها ستواجه خطر مجاعة مميتة لأن 80% من النباتات نباتات زهرية تتكاثر عن طريق نقل الطلع من السداة إلى ميسم مدقة الزهرة، العمل الذي تنفذه الحشرات. ومن دون الحشرات سيندثر معظم النباتات في العالم تلك التي يتغذى عليها معظم الحيوانات والأسماك. وستكتمل هذه الصورة المريعة ببقاء جيف الحيوانات والجثث على وجه الأرض دون أن تنحل.