أنور عقل ضو

مفارقة غريبة ألا يتطرق ممثلو الدول الكبرى في مؤتمر باريس للمناخ COP21 الأخير إلى صناعة الأسحلة، وكأن هذا القطاع يمثل بيئة نظيفة لا ينجم عنها تلوث! ولا يساهم تاليا في زيادة الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، ولا إلى الحروب، وكأنها ليست مبعث قلق على المناخ والحياة على الكوكب، أو هي “حروب خضراء” طالما أنها تُخاض باسم الله، منذ “نبوءة جورج بوش الابن في حربه على العراق والقضاء على يأجوج ومأجوج”، بحسب الصحافي الفرنسي جان كلود موريس (يمكن العودة إلى كتابه “لو كرّرت ذلك على مسامعي فلن أصدّقه”)، إلى سائر “الحروب المقدسة” وهي تخاض اليوم في الشرق الأوسط، وترفد اقتصادات الدول المصنعة، مع ما نشهد من نمو يطاول قطاع تجارة الأسلحة في العالم، ويقدّر حجمه اليوم بنحو 64.4 مليار دولار.

الحروب لا تلوث، ولا تقتل ولا تشرد! أمام قطعان الجِمال السائبة في أستراليا فتلوث وتزيد من الانبعاثات، وما تزال تتعرض على يد الحكومة الأسترالية للإبادة عبر طوافات عسكرية، هذه الحيوانات التي انتفت الحاجة اليها بعد استقدامها من الشرق الأوسط واستخدامها من قبل المستوطنين الجدد في بناء الحضارة فوق دماء السكان الأصليين “الأباروجو” أو “الأبوريجين” Aborigine.

أما أسلحة الدمار الشامل فلا تلوث! لكن ما يعنينا في منطقة الشرق الأوسط هو المخاطر المحتملة لمفاعل “ديمونة” في صحراء النقب، فهذا المفاعل تم بناؤه بتقنيات الخمسينيات من القرن الماضي، فضلا عن أنه قائم على فالق زلزالي، دون أن ننسى أن انفجار مفاعل تشرنوبيل في أوكرانيا (1986)، والتسرب الإشعاعي من محطة فوكوشيما اليابانية (2011) وغيرها من الحوادث المتفرقة ظلت طي الكتمان في أوروبا الغربية، أكدت جميعها أن لا طاقة نووية آمنة، فكم بالحري إذا كانت تستخدم في صناعة أسلحة قادرة على تدمير الحياة على كوكب الأرض في ثوانٍ معدودة.

إن الغرب اللاهث في سبيل “حماية المناخ” ينتج القنابل والمتفجرات والصواريخ البالستية والطائرات القتالية، وصناعتها تخلف كميات هائلة من الغازات التي تسبب الاحتباس الحراري، هذا دون النظر إلى ما تحدث من تدمير وتلويث جراء استخدامها، ومنذ أعوام عدة  تعيش يوميا دول مثل أفغانستان العراق فلسطين سوريا اليمن ومالي وسط مستوى انبعاث قياسي مدمر ومستمر لانبعاث لغاز ثاني أوكسيد الكربون CO2، فضلا عن الحروب القائمة الآن في سوريا واليمن وليبيا.

لم يتطرق مؤتمر باريس إلى تلويث العالم جراء صناعة الأسلحة والحروب، والتي تساهم بحدة في ارتفاع حرارة الكوكب، وبدا جليا أن قمة المناخ في باريس (COP21) ولا القمم السابقة لا تريد الحديث عنها ووضعها على طاولة الحوار، لسبب واحد، وهو عدم ازعاج لوبي المصالح المالية للصناعة العسكرية ومن ورائه الدول المعنية.

أي اتفاق لا يلحظ أن السلام العالمي هو الطريق الأمثل للحد من انبعاث الغازات الدفيئة في العالم لا يعول عليه، إلا إذا كانت كارتيلات المال الضخمة والدول المعتمدة على صناعة الأسلحة كركن أساس في اقتصادها، ترى في صناعة أدوات الدمار صناعة خضراء لحروب خضراء!

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This